14/12/2025
تتعرض مؤسسات الضمان في كل أنحاء العالم لضغوط متزايدة، ومنذ فترة طويلة، لتغيير فلسفتها في المساهمة في الحماية الاجتماعية للعمال، وإعادة إلقاء المسؤولية على الأفراد لحماية شيخوختهم عن طريق استثمار مدخراتهم أو تعويضات نهاية خدمتهم في شركات استثمارية.
اسباب هذه الضغوط هي اقتصادية، حيث يدعي أصحابها أن الضمان يشجع العمال على ترك العمل، ويدعون لتغيير مفاهيمه، ليحفزوا العمال للاستمرار بالعمل لدى الرأسماليين لتنمية استثماراتهم، مما يؤدي لنمو اقتصادي يعود بالفائدة على الجميع.
عانى الضمان الأردني من هذه الضغوط مبكرا قبل أن يشتد عوده، لكن ذلك تم بالنسخة الخاصة بالأردن، في الظروف التي شهدها الأردن بعد الأزمة الاقتصادية عام 1989 وتبنيه لسياسات الخصخصة والتخلي عن الدولة الريعية وتخفيف العبء على خزينة الدولة.
لكن هذه الضغوط (ولأسباب سياسية) راعت ضرورة المحافظة على استقرار حكومات الأردن، ووافقت على نقل عبء كلفة التقاعد المرتفعة للضمان كجزء من نهج التخلي عن الدولة الريعية، لكن مع نقل كلفته للضمان، وفرضت بالتالي رفع نفقات الضمان من خلال رفع قيمة الرواتب التقاعدية ب25% مما أدى لضغوط كبيرة على المركز المالي للضمان ما زلنا نشهد آثارها ليومنا هذا، مع تصاعد إساءة الحكومات استخدام أموال الضمان من خلال القروض الضخمة، وتوجيه استثماراته، أو من خلال استخدامه لتوفير النفقات بواسطة التقاعد المبكر ، ووصل سوء استخدام أموال الضمان لأسوأ حالاته أثناء جائحة الكورونا، كما يعلم الجميع، وأخيرا لشراء أرض صحراوية جرداء.
عانى قانون الضمان من عيوب كثيرة منذ بداياته خصوصا في أهدافه الاجتماعية وعدالته،وتعرض لضغوط متتالية لرفع سن التقاعد والتقاعد المبكر بحجج واهية، وفعلا تم رفع سن التقاعد المبكر مع كل تعديل لقانون الضمان منذ عام 2000، لكنه لم يتمكن من فرض رفع سن التقاعد رغم طرحها أثناء نقاش كل تعديل.
لم يتم رفع سن التقاعد سابقا بسبب موقف الحكومة الراضخة لأوامر الممولين الخارجيين بضرورة تخفيض الإنفاق الحكومي، لكن تتعرض أيضا لضغوطات مناقضة تتمثل في تحرير القطاع الخاص من أي تدخل خصوصا من تأثير الضمان على عرض العمالة من خلال اقبال العمال على التقاعد والتقاعد المبكر مما يؤدي لارتفاع الطلب على العمال ورفع أجورهم وتأثير ذلك السلبي على الاستثمارات الاقتصادية.
يستخدم الضاغطون باستمرار نفس الأساليب لتمرير فلسفتهم الاقتصادية ، من خلال الاستخدام الخبيث للدراسات الاكتوارية وتوجيهها لهذه الغاية، بالرغم من معاناة هذه الدراسات من نقص كبير في المعطيات والمعلومات والإحصاءات التي تقدمها الحكومة وإدارة المؤسسة للدارسين، وتجاهلها لكثير من الفرضيات الواقعية التي يجب أخذها بعين الاعتبار.
يتحول الضمان الاجتماعي في الأردن في اتجاه مغاير لأهداف وفلسفة أنظمة الضمان في العالم، بضغط من الخارج الكاره لفكرة الضمان، وتدخل من الحكومة في الداخل التي تتعامل مع الضمان كطائر يبيض ذهبا يساعدها، ويساعدهم في ذلك جمهور مؤثر يستفيد أو سيستفيد من رواتب تقاعدية مرتفعة لا يستحقوها (في القطاعين العام والخاص)، مقابل جمهور أكبر يحصل على رواتب تقاعدية متدنية لا تكاد تكفيه وجمهور أكبر من المواطنين ( مشتركين بالضمان أو غير مشتركين) لا يحصلوا على أي راتب تقاعدي. وفي ظل عدم قدرة النقابات والأحزاب على استيعاب وفهم ما يمر به الضمان وما يحاك له من خطط

Post a Comment