recent

أحدث القضايا العمالية

recent
جاري التحميل ...

النقابات العمالية إذ تقدس ضعفها

النقابات العمالية إذ تقدس ضعفها

حاتم قطيش -  رنان 

5/2/2025


تعاني النقابات العمالية على مستوى العالم من ضعف الأداء وبطؤ التقدم بل والتراجع في كثير من الأحيان، والحكم هنا على الغالب الأعم وليس التعميم والشمول؛ إذ تجد في النقابات العمالية نماذج للعمل النقابي الحر والاصرار الواضح لدى أعضائها وقيادتها الى البحث عن مواطن القوة وتعزيزها وتطويرها ومواكبة المتغيرات في سوق العمل وشكل التنظيم النقابي والحفاظ على "نَفَس" النضال النقابي، ولكن للأسف فإن هذه النماذج هي قليلة وشحيحة على مستوى العالم وهي أقل وأشح على مستوى العالم العربي.


النقابات العمالية وعقدة الإنكار


ان ردة الفعل المباشرة - والمنفعلة - للقائمين على النقابات العمالية عند قراءتهم هذه السطور أو غيرها أو حتى سماع بعض النقد الذي يتحدث عن ضعف النقابات العمالية وتراجع دورها النقابي والعمالي والمجتمعي؛ أقول ان ردة الفعل الغالبة هو أخذ وضعية المهاجم وانكار هذا الضعف والدفاع عن النقابات والتباكي من الظلم الواقع عليها وقصر ذات اليد وأنهم كقيادة تجثو على صدر هذه النقابات منذ سنوات طويلة لا يدخرون جهداً ولكن العيب في العمال والمنتقدين وأصحاب العمل وأحياناً الحكومة والظروف الأقليمية والعالمية.

ان بقاء هذه القيادات النقابية متمترسة خلف عقد الإنكار سيبقي هذه النقابات حبيسة التابوهات التي يحرم الاقتراب منها وستبقى تحكم على نفسها بالعزلة عن العمال والمجتمع والانكفاء على الذات واتساع مطرد في الفجوة بينها وبين استحقاقات مستقبل العمل، وان أول خطوة نحو انتشال هذه النقابات من مستنقع الضعف والتهميش هو الاعتراف بوجود خلل والبحث عن مواطنه ثم المباشرة بمعالجته، لا أن ترسخ لفكر "سكّن تسلم" بمعنى أنك كلما كنت بعيداً عن الأضواء وقللت من العمل العلني وأحطت نفسك بهالة من الغموض والسرية ستكون أقل عرضة للنقد.


تقديس الضعف وترسيخه .. ممارسة غير بريئة


بالنظر الى واقع النقابات العمالية بنظرة شمولية يتولد انطباع أن هناك حالة من التصالح والتعايش مع هذا الضعف، وربما يترسخ في أذهان بعض النقابيين وخاصة الجدد منهم أن حالة الضعف هي الأساس ويجب أن تكون مقترنة باسم النقابات العمالية؛ بل ان البعض يذهب أبعد من ذلك ب" تقديس" هذا الضعف والدفاع عنه وترسيخه لمآرب شخصية ولضمان بقاءه في قيادة هذه النقابات ووسيلة لابعاد منافسيه عنها، كيف ذلك ..

ان الاصرار على التعديل المستمر على أنظمة النقابات الداخلية بتهميش دور اللجان النقابية أو اقصاء الشباب وتقليل فرصهم للترشح للمناصب القيادية وتهميش دور المرأة وحصره بلجنة تعنى بنشاطات اجتماعية للنساء العاملات؛ أقول ان هذه التعديلات السلبية المتكررة على أنظمة النقابات العمالية من شأنها ابقاء هذه النقابات تدور في فلك الضعف وقلة الحيلة بل وتبتعد في كل مرة أكثر وأكثر عن ما يسمى قوة العمال.

ان صمت النقابات العمالية وأحياناً تأييدها لتعديلات التشريعات الوطنية كقانون العمل والضمان الاجتماعي مثلاً والتي تقيد أيدي النقابات العمالية وتقلل من الأدوات النقابية الفاعلة أو حتى تقيد استخدامها كالاضرابات العمالية مثلاً أو نزع الحماية القانونية عن النشطاء النقابيين، من شأنه أيضاً أن يزيد من انغماس هذه النقابات بوحل الضعف والتهميش.


اظهار الضعف يبني الثقة ويعزز الانفتاح


على عكس ما يدور في أذهان البعض فإن الاعتراف بمواطن الضعف بل اظهارها ومناقشتها دون الخجل منها يعد أحد مؤشرات الثقة بالنفس والصدق ويرسل رسائل للجميع بالتصالح مع الذات والرغبة بالانفتاح والخروج من العزلة.

لطالما كانت جلسات العصف الذهني و الحوارات والمؤتمرات التي تعقدها النقابات العمالية لوضع ومناقشة الخطط الاستراتيجية تتمحور حول الرغبات والأمنيات التي تدور في أذهان معدي هذه المؤتمرات ورؤيتهم لمستقبل النقابات العمالية، ولكن العديد منها يفتقر عند وضع خططه الاستراتيجية الى خطوة مهمة وهي واقع هذه النقابات بل وتسليط الضوء على مواطن ضعفها ووسائل وأدوات التعامل مع هذا الضعف والرغبة بسماع الآراء الأخرى والتعامل معها على أنها أدوات رفع اضافية وأطواق نجاة تقذف باتجاههم برغبة الانقاذ والمساعدة لا برغبة الرجم والاغراق.

يحتاج القائمون على النقابات العمالية الى توقف مؤقت والانتباه ومحاولة الالتفات الى الذات والتركيز على فهم وتحسين السلوك، ولا أقصد هنا بالتوقف هو تعطيل العمل لا بل على العكس قد تكون هذه الوقفات هي بمثابة شحن لنابض الحركة والعمل لتكون بعده الانطلاقة الأقوى والأرشد، هذا التوقف يتيح لهم فرصة النظر الى الذات والواقع بدلاً من السعي نحو الصورة المثالية التي يرغبون بها أو حتى يرغب الآخرون في رؤيتها، والأهم من كل ذلك هو القدرة على تقبل وجهات نظر الآخرين بصدر رحب والسماح لهم بالاقتراب أكثر ورؤية الحقيقة الكاملة بما فيها حقيقة الضعف دون الشعور بالخوف أو الحرج.

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020