recent

أحدث القضايا العمالية

recent
جاري التحميل ...

أن تكون حراً قبل أن تكون نقابياً

أن تكون حراً قبل أن تكون نقابياً


حاتم قطيش - رنّان

19/3/2022

الظلم والقهر والاستبداد والعبودية كانت هي الصفة السائدة في علاقات العمل ابان حقبة الثورة الصناعية وكان هذا الأمر عادياً ومتقبلاً لدى أغلبية العمال الذين اعتادوها وارتضوها منهج حياة، الا ان فئة كانت لا تزال الحرية تسري فيها مسرى الدم في العروق فاتخذوا قراراً ذاتياً في الانعتاق.

 هؤلاء الأحرار كانت العقبة الأولى في طريقهم نحو الانعتاق ليس أصحاب العمل بل كانت بالعمال الذين ترسخت في أذهانهم أنهم بمجرد أن يحيدوا عن طريق القطيع فإن رزقهم سيتضرر ولا بد أن يبقوا ممسكين بالعصا من المنتصف وتقديم لغة "العقل" والانصياع والخضوع لصاحب العمل حتى لا تتضرر مصالحهم، فقدموا أنفسهم ومصالحهم على مصالح جموع العمال.

تحدث التاريخ دائماً عن المواقف البطولية للعمال والنقابيين الأحرار ونضالهم؛ ولكن التاريخ تحدث أيضاً عن طعنات الظهر التي كانت تأتيهم من أقرانهم وعن الذي ارتضى لنفسه أن يكون وكيلاً لصاحب العمل الظالم في محاربة هؤلاء الأحرار، ومنهم أيضاً من تشربت جيناته صفات العبودية فتطوع لعداء هؤلاء النقابيين لمجرد أنهم يريدون له أن يكون حراً.

ان المعايير والاتفاقيات الدولية تحدثت دائماً عن الحق في التنظيم النقابي على أنه حق من حقوق الإنسان وليس لمجرد أنه ضرورة وظيفية؛ وتحدث عن العلاقة بين صاحب العمل والعمال على أنها علاقة تشاركية وليست علاقة عبودية، وقرنت هذه المعايير الدولية بين الحق في التنظيم النقابي والحرية، فالعمل النقابي هو وسيلة العمال نحو تحقيق حريتهم وجعل بيئة العمل بيئة لائقة خالية من كل مظاهر العبودية والعمل الجبري.

يمكن للعامل أن يكون نقابياً بأن يخضع لبرامج تدريبية وتأهيلية على الأدوات النقابية من تعلم التشريعات الناظمة لسوق العمل واتقان فنون المفاوضة الجماعية والحوار الاجتماعي..الخ؛ ولكن كل هذه الأدوات لن تكون ذات فائدة اذا لم ترتكز على شخصية قيادية وحرة لهذا العامل، فمن أفنى عمره متأقلم ومتصالح مع الدونية والخنوع لصاحب العمل لا يمكن له أن يجلس أمامه نداً لند على طاولة المفاوضات.. حتماً سيكون منهزماً نفسياً قبل أن يبدأ بالحوار وسيتعامل مع ما يطرحه صاحب العمل على أنه املاءات يجب عليه تنفيذها لا اطروحات يمكن له مناقشتها بل رفضها بالكامل، معتمداً في ذلك على قوة شخصيته وحجته ومستنداً الى قوة العمال الذين يدعمونه ويساندونه كونهم هم من اختاره ليكون ممثلاً لهم.

في علم الإدارة لطالما كان هناك جدلاً عن الفرق بين القائد والمدير وهل كل مدير يصلح لأن يكون قائداً والعكس، وفي النقابات العمالية أعتقد أن الأمر أكثر تعقيداً فحتى أولئك الذين يمتلكون العديد من الصفات النقابية ان هم فقدوا صفة الحرية والشعور بالندية والحق في التشاركية والاستحقاق فإنهم لن يجرؤوا حتى على استثمار صفاتهم في خدمة العمال؛ فما بالكم بمن لا يمتلك الا صفات المراوغة واتقان فن التلاعب بالانتخابات ونصب المكائد والمهارة في كل الأساليب المشبوهة التي تقربه من قيادة النقابة وتقصي غيره!!!

ورد في الآية الكريمة " إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى "، وان من أهم صفات النقابي الحر أن يكون نبيلاً وفارساً لا يرتضي أن يكون خسيساً، ومقياس ذلك يكون بالنظر الى تصرفات هذا النقابي مع من هم تحته من عمال ونقابيين؛ فترى من هو دائم اللطم والتباكي على سوء معاملة أصحاب العمل له كنقابي ان هو امتلك قراراً فيمن حوله من النقابيين أو العمال أظهر ما في نفسه من تعقيدات نفسية ومارس أبشع أساليب الإقصاء والإيذاء وخلع عن وجهه قناع المثالية وآثر التصرف كسيّد وعامل من حوله كالعبيد، ليدل أن رغبته وسعيه لأن يكون نقابياً لم يكن بهدف رفع الظلم عن العمال بل لرغبته بتقليد أسياده وتجربة شعور الأمر والنهي.

العمال اليوم يقع على عاتقهم العبء الأكبر في اختيار ممثليهم وأن لا ينجرفوا وراء العشائرية أو المناطقية أو العلاقات الشخصية عند اختيار ممثليهم ولا تغرنهم الشعارات البراقة وخطاب المظلومية التي يتقنه معظم من يقدمون أنفسهم على أنهم نقابيين؛ ولكن فليبحث العمال عن النقابي الحر الذي يمتلك قراره وصاحب الشخصية الواحدة أمامهم وأمام أصحاب العمل وليبتعدوا عن متعددوا الشخصيات محترفوا الكذب والخداع.


اقرأ أيضاً:

النقابات العمالية وقوة العمال


نريدها نقابات عمالية لا مجالس قروية


إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020