recent

أحدث القضايا العمالية

recent
جاري التحميل ...

متحرش التكنو واتفاقية العمل الدولية 190

متحرش التكنو واتفاقية العمل الدولية 190


حاتم قطيش - رنان

10/6/2022 

كما العادة .. نبقى نتجاهل الحديث عن القضايا الحساسة ونتغافل عنها مع قناعتنا أنها موجودة بالفعل ولكننا ندعي أننا مثاليون ونتصرف على هذا الأساس بل ونعتبر أن الحديث عن خطر حقيقي قادم بأنه ضرب من نظرية المؤامرة، فلا نزال نصر على التزام موقف ردات الفعل والبحث عن حلول بعد وقوع المشكلة ولا نزال أيضاً بعيدون عن التفكير الاستراتيجي والاجراءات الوقائية والحماية ولا تزال نظرتنا قاصرة عن سن تشريعات وقائية تحمي مجتمعاتنا.

في هذه السطور القليلة لن نخوض في حيثيات قضية تحرش جامعة العلوم والتكنولوجيا فالأمر بيد القضاء الآن ولكنني سأستثمر هذه الحادثة للتنويه الى أهمية التشريع في توفير بيئة آمنة خالية من العنف والتحرش وكيف كان يمكن تجنب حوادث الاعتداء والتحرش اذا ما تم تطبيق اتفاقية العمل الدولية رقم 190 أو العمل بفحواها.


تحرش أم اعتداء؟!

قبل عدة أشهر وفي خضم تعديل قانون العمل دارت نقاشات حادة حول الفرق بين التحرش والاعتداء الجنسي وخاض البعض معارك طاحنة لاثبات رأيه دون الالتفات الى مضمون الأمر الذي يجب أن يعالجه التشريع بغض النظر عن الاصطلاحات فالأصل أن يتم النقاش والحوار حول المضمون ولا تكون هناك مشاحة في الاصطلاح، واليوم وبعد حادثة التحرش في جامعة العلوم والتكنولوجيا أيقن الجميع أن الاشكالية تكمن في التصرفات والممارسات لا في المصطلحات فلم نجد على وسائل التواصل الاجتماعي تناحراً مثلا حول توصيف ما حدث أنه تحرش أم اعتداء!!، وأيضاً لاحظ الجميع أنه وبعد أن طفت هذه الحادثة للسطح تشجع آخرون تعرضوا لمواقف مشابهة منذ سنوات عديدة على الافصاح عنها، ولك أن تتخيل أن بعض من كانوا يدافعون بشراسة أن مجتمعنا "محافظ" ولا توجد فيه مثل هذه التصرفات يمكن أن تكون احدى بناته قد تعرضت لتحرش داخل جامعتها أو في مكان عملها ولكنها فضلت السكوت خوفاً من ردة فعل والدها أولاً وبقية المجتمع ثانياً، وهذا يتوافق مع الدراسة التي نشرها مركز مآل للاستشارات والتدريب أن 29 % من النساء التزمن الصمت إزاء العنف والتحرش الذي عانين منه في مكان العمل، و17 ٪ يخشين أن يتم الانتقام منهن إذا أبلغن عنه!!

في تقريرقمت بإعداده ونشره في وقت سابق يحمل العنوان اتفاقية القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل .. هل نحن بحاجتها؟"  كنت قد أشرت فيه أن الهدف من اتفاقية العمل الدولية 190 ليس ايقاع عقوبات على مرتكبي التحرش وانما اتخاذ اجراءات وتدابير وقائية استباقية تضمن توفير بيئة آمنة خالية من جميع أشكال العنف والتحرش.


 بيئة آمنة في عالم العمل وليس فقط مكان العمل


لعل من أبرز ما جاء في اتفاقية العمل الدولية رقم 190 أنها تحدثت عن مصطلح عالم العمل ولم تقتصر الحماية على مكان العمل؛ وهذا يعني أن الأمر يمتد لضمان وجود بيئة آمنة خالية من العنف والتحرش في كل ما يتعلق بمكان العمل سواء في الطريق اليه أو أماكن الاستراحة أو المراجعة أو السكن المرتبط بالعمل والسفر والتدريب .. الخ.

في حادثة تحرش الجامعة نجد أن ما تحدث عن الطلاب والطالبات لا ينحصر في مكان عمل المدرس الجامعي فقط وانما في مكتبه او عبر الايميل أو الواتساب ، وهذا يؤكد على أهمية شمولية مصطلح عالم العمل لتأمين الحماية من العنف والتحرش الممكن حدوثها في سياق العمل أو تكون مرتبطة به أو ناشئة عنه .

ويشير مصطلح " العنف والتحرش " في عالم العمل الى "مجموعة من السلوكيات والممارسات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها، سواء حدثت مرة واحدة أو تكررت، وتهدف أو تؤدي أو يحتمل أن تؤدي الى الحاق ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي وتشمل العنف والتحرش على أساس نوع الجنس"


عبء الحماية والوقاية على صاحب العمل


في النقاش الدائر حول حادثة تحرش الجامعة نجد من اتخذ قرار الإدانة الكامل نيابة عن القضاء ونجد من حاول الولوغ في أعراض الفتيات اللواتي تعرضن للتحرش وتحميلهن مسؤولية الحادثة!!، ولكن في الحقيقة أن هناك طرفاً ثالثاً يقع عبء تأمين اليئة الآمنة من العنف والتحرش عليه وهو صاحب العمل أو المنشأة، وهنا تكمن أهمية اتفاقية العمل الدولية 190 التي تلزم أصحاب العمل اتخاذ كافة التدابير والاجراءات والقرارات التي من شأنها توفير بيئة آمنة خالية من كل أشكال العنف والتحرش.

وهنا حُق لنا أن نسأل هل الجامعة من خلال نظامها الداخلي أو من خلال مدونة سلوك معتمدة لديها راعت تصميم مكاتب عمل المدرسين والموظفين بشكل تمنع فيه أي شكل من أشكال العنف والتحرش؟ هل لديها تعليمات واضحة حول شكل تواصل المدرس الجامعي مع الطلاب؟ هل لديها سبل مراقبة كالكاميرات لتشعر الطالبات والموظفات بالأمان عند التنقل في مرافق الجامعة أو مراجعة موظف أو مدرس؟ هل اتخذت اجراءات لحماية المدرسات والموظفات من المتحرشين أو المراجعين أو الطلاب أيضاً؟ هل لديها تعليمات واضحة حول تواصل المدرسين والموظفين مع الطلاب والطالبات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو الواتساب أو حتى الايميل؟


الاتفاقية 190 .. من تحمي؟


اذا ما تم مصادقة الأردن على اتفاقية العمل الدولية 190 وتعديل التشريعات الوطنية بما يتوافق معها، أو في حال العمل بفحواها وتوقيع الاتفاقيات وتعديل الأنظمة الداخلية واصدار مدونات سلوك فإن هذه الاجراءات ستعمل على توفير بيئة عمل آمنة وخالية من التحرش ليس فقط لموظفي ومستخدمي المنشآت، فالاتفاقية تتوسع في الفئات المشمولة لتتجاوز الموظفين من كلا الجنسين وخاصة النساء وتصل الى الأشخاص العاملين بغض النظر عن وضعهم التعاقدي، والأشخاص الضالعون في التدريب، بمن فيهم الأشخاص الضالعون في التدريب والتلمذة الصناعية والعمال الذين أنهي استخدامهم والمتطوعون والباحثون عن عمل وطالبو الوظائف والأفراد الذين يمارسون سلطة صاحب العمل أو واجباته أو مسؤولياته، كما تنطبق هذه الاتفاقية على جميع القطاعات، الخاصة منها والعامة، على السواء في الاقتصاد المنظم وغير المنظم وسواء في المناطق الحضرية أو الريفية.

وعليه فإن كافة من يلج عالم العمل يكون مشمولاً بالحماية التي توفرها اتفاقية العمل الدولية 190 وأصبح لزاماً على صاحب المنشأة - عامة أو خاصة- تأمين الحماية وتوفير البيئة الآمنة الخالية من جميع مظاهر وأشكال العنف والتحرش.


آن الأوان للقضاء على العنف والتحرش


لقد تم اقرار اتفاقية العمل الدولية في العام 2019 ولا تزال الأردن غير مصادقة على هذه الاتفاقية ولك أن تتخيل لو تم تطبيق هذه الاتفاقية وتعديل التشريعات الوطنية بما يتوافق معها كم حالة تحرش كان يمكن لنا تجنبها!!.

بغض النظر عن -مع أهمية- ما ستؤول اليه قضية تحرش جامعة العلوم والتكنولوجيا وما سيكون عليه قرار القضاء، فإنه يتوجب على جميع النشطاء ومؤسسات المجتمع المدني والنقابيين والحقوقيين والنقابات المهنية والعمالية استئناف تحركاتهم وحملاتهم وضغطهم على الحكومة من أجل المصادقة على الاتفاقية 190 لضمان بيئة آمنة وخالية من جميع أشكال العنف والتحرش، كما يجب الضغط على كافة المنشآت العامة والخاصة وكافة أصحاب العمل لتحمل مسؤولياتهم وتعديل أنظمتهم الداخلية والالتزام بمدونات سلوك ووضع سياسات تكافح وتجرم كافة أشكال العنف والتحرش في عالم العمل.


اقرأ أيضاً:


اتفاقية القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل .. هل نحن بحاجتها؟


مسؤولية الشركات في احترام حقوق الانسان


اتفاقية العمل الدولية 190 بشأن القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل


إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020