recent

أحدث القضايا العمالية

recent
جاري التحميل ...

العمال المنتهية خدماتهم قسراً .. ما بين التعثر والتقاعد المبكر

العمال المنتهية خدماتهم قسرياً ..  ما بين التعثر والتقاعد المبكر


حاتم قطيش - رنان

15/7/2025

 لا زالت وتيرة انهاء خدمات العاملين قسرياً تتصاعد دون توقف أو ابطاء رغم كل التحذيرات والمطالبات بالتوقف والنظر على انعكاس هذه الخطوات سواء على العامل أو على مؤسسة الضمان الاجتماعي أو نسبة البطالة أو أعداد المتعثرين أو حتى على الأمن والسلم المجتمعي!!

توصيات البنك الدولي والترشيق الحكومي

تعاملت مؤسسة الضمان الاجتماعي قبل العام 2019 مع التقاعد المبكر على أنه حالة استثنائية تسمح للعامل الانسحاب من سوق العمل بسبب ظروف عمله الشاق أو أية ظروف استثنائية تحول دول استمرار العامل حتى بلوغ سن الشيخوخة، حتى أنها اقترحت في تعديلات 2019 الغاء التقاعد المبكر من قانون الضمان الاجتماعي بل واطلقت حملة دعائية واسعة طالت كافة الفعاليات والمؤسسات والأحزاب بل وحتى خطباء المساجد للترويج لخطورة التقاعد المبكر ومبررات الغاءه من قانون الضمان الاجتماعي!!!

ثم  جاءت توصيات النقد الدولي بضرورة تخفيض بند الرواتب من الموازنة العامة؛ الأمر الذي ساهم في اطلاق مشروع " الترشيق الحكومي " الذي يقضي بانهاء خدمات العاملين العامين الذين أتموا ثلاثون عاماً ثم بدأ تقليل هذه المدة الى ثمانية وعشرين ثم خمسة وعشرين، ثم بدأت مرحلة انهاء الخدمات القسرية لكل من يتم شروط التقاعد المبكر ليتم نقل عبء بند الرواتب من الموازنة العامة الى بند التقاعد المبكر في الضمان الاجتماعي!!



الحكومة تنهانا عن التقاعد المبكر وتنسى نفسها


حسب قانون الضمان الاجتماعي فإن مجلس الوزراء مكلف بتنفيذ أحكام قانون الضمان الاجتماعي ويعين مديره العام ويرأس وزير العمل مجلس ادارة الضمان الاجتماعي.. الخ ، بمعنى أن الولاية العامة على مؤسسة الضمان الاجتماعي تعود لمجلس الوزراء.

الأمر غير المفهوم هو أن تقوم مؤسسة الضمان الاجتماعي بعمل حملات دعائية تحذر الناس من مخاطر التقاعد المبكر وتدعوهم الى الابتعاد عنه والاستمرار في سوق العمل حتى سن الشيخوخة، ثم يقوم مجلس الوزراء - من خلال وزراءه- بالموافقة على انهاء خدمات آلاف العاملين بمجرد استيفاءهم لشروط التقاعد المبكر للضمان الاجتماعي .. "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"!!!


تقاعد مبكر اختياري .. خاوة

لا تنفك مؤسسة الضمان الاجتماعي على التأكيد أن التقاعد المبكر هو تقاعد اختياري بنص القانون؛ بمعنى أن العامل الراغب في الخروج من سوق العمل والمستوفي لشروط التقاعد المبكر أن يتقدم -بمحض ارادته- بطلب الحصول على التقاعد المبكر.. وهو الأمر الذي تؤكد عليه الحكومة أيضاً كونها ملتزمة بحق العامل بحرية الاختيار، إذ انها تؤكد أنها لم تحل الناس الى التقاعد المبكر قسراً انما جل ما تقوم به هو تطبيق برنامج الترشيق الحكومي بانهاء خدمات من يكمل شروط التقاعد المبكر مع وجود فرصة لهذا العامل أن يبقى في سوق العمل!!، وهو أمر صحيح نظرياً ولكنه يتعارض مع الواقع عملياً.

كيف لعامل يتراوح عمره بين 45-55 عاماً على الأغلب ولديه من الخبرات ما لديه وقد ارتفع راتبه الى حد أتاح له الالتزام بقروض ومنح تتعلق بالسكن والدراسة والعلاج في محاولة منه لتأمين حياة كريمة لعائلته، ثم يأتي قرار انهاء الخدمات فيجد العامل نفسه أمام مطالبات مالية لا يمكن تغطيتها بالرواتب المتدنية الموجودة في سوق العمل فيضطر "مكرهاً" الى التوجه - بمحض ارادته - الى مؤسسة الضمان الاجتماعي للحصول على راتب تقاعد مبكر يضعه على ما يمكن تحصيله من راتب متدني علّه يغطي المطالبات المالية التي تلاحقه حتى لا يجد نفسه ينضم الى قائمة المتعثرين والملاحقين قضائياً بسبب عجزهم المالي الذي تسبب به قرار انهاء خدماته القسري.


الفقر والبطالة والحماية الاجتماعية .. في خلاط التقاعد المبكر


ان هؤلاء العاملين المنتهية خدماتهم قسرياً يجدون أنفسهم في دوامة وخلاط من الأفكار القاتمة التي تهدد كرامتهم وتحملهم أثقالاً فوق أثقالهم وقد تكشف عنهم رداء الستر؛ فإن هو اتبع توجيهات مؤسسة الضمان الاجتماعي وبقي في سوق العمل ولم يتوجه الى التقاعد المبكر لم يحصل أجراً يتناسب مع مسؤولياته المالية وخبراته العملية ولياقته الصحية أيضاً، بل وحرم سوق العمل من خبراته وكفاءته وانتاجيته، وان هو قرر تغليب مصلحة عائلته وقدم الحفاظ على كرامته أمام مطالباته المالية وشبح ادراج اسمه ضمن قائمة المتعثرين فسيتوجه الى مؤسسة الضمان الاجتماعي " بمحض ارادته " ويتحصل على راتب تقاعدي متواضع بسبب نسب الخصم العالية على راتبه التقاعدي ثم سيعود بشكل غير قانوني الى سوق العمل ليعمل تحت ابتزاز صاحب العمل له بأجر قليل وبلا حمايات اجتماعية وربما بظروف عمل غير لائقة وأقرب الى العمل الجبري!!!

قد يروج بعض المتذاكين أن الترشيق الحكومي يساهم في تخفيف نسب البطالة ويحارب الفقر ويدعم الشباب كونه سيعمل على تشغيل العاطلين عن العمل من الشباب، ولكن الواقع المرير غير ذلك؛ فنسب المنتهية خدماتهم أعلى بكثير ممن يتم تعيينهم ثم فإن نسبة كبيرة جداً من المتقدمين " قسراً " الى التقاعد المبكر يعودون الى سوق العمل ينافسون الشباب المتعطلين عن العمل مما يجعلهم خياراً مفضلاً لدى بعض أصحاب العمل الذين يجدون فيهم خبرات كبيرة والتزام وظيفي وأجور متدنية ويعفونهم أيضاً من الحمايات الاجتماعية كالاشتراك في الضمان الاجتماعي.


بيع الرواتب التقاعدية هروباً من التعثر وبحثاً عن العلاج


تطل علينا بين فينة وأخرى اعلانات حقيقية عن رغبة بعض المتقاعدين ببيع رواتبهم التقاعدية؛ وبغض النظر عن عدم شرعية أو قانونية هذا الاجراء، فإنه وبالبحث عن الأسباب التي تدفع هؤلاء المتقاعدين الى تبني فكرة بيع رواتبهم التقاعدية؛ يتبين أن السبب معظمهم يتقاضون رواتب تقاعدية متدنية جداً لا تكفي لسداد القروض التي يلتزمون بها، فيجد المتقاعد نفسه أمام خيار أن يبيع هذا الراتب التقاعدي ويسد بثمنه القروض التي تثقل كاهله هرباً من التعثر.

بعض هؤلاء الراغبين ببيع رواتبهم التقاعدية يضطرون لذلك بسبب عدم شمولهم وأفراد عائلتهم بتأمين صحي يكفل لهم علاجاً كريماً، فإذا ما اضطر أحدهم الى اجراء طبي عاجل ولا يملك المال لاجراءه يجد نفسه أمام خيار بيع راتبه التقاعدي بغية علاج نفسه أو أحد أفراد عائلته.


اقرأ أيضاً : رواتب تقاعدية للبيع .. تأميناً للعلاج وهروباً من ضنك العيش 



الملاءة المالية للضمان على المحك


من المعروف أن مؤسسة الضمان الاجتماعي توسع حماياتها الاجتماعية وتحسن خدماتها وتفي بالتزاماتها المالية كالرواتب التقاعدية بناءاً على المركز المالي لها، فالمركز المالي المريح ودلائل مقدرة الضمان الاجتماعي على الاستدامة تجعلها نقطة جذب للمشتركين الجدد فتزيد بذلك الواردات وتتحسن الخدمات أكثر فأكثر، فالمركز المالي المريح يدفع باتجاه مركز مالي أكثر راحة، ومركز مالي ضعيف أو حرج قد يكون سبباً في عزوف العاملين من الاشتراك في الضمان الاجتماعي فتقل بذلك الايرادات ويزداد المركز المالي صعوبة فوق صعوبة.

هناك ما يسمى الدراسات الاكتوارية لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي والتي تعطي قراءة لمستقبل المركز المالي للمؤسسة وبناءاً عليه يتم وضع ملامح الخطط المستقبلية للحمايات الاجتماعية، ومن البديهي معرفته أنه اذا زادت واردات المؤسسة عن النفقات كلما كان المركز المالي مريحاً وكلما اقتربت أرقام النفقات من أرقام الواردات " نقطة التعادل" كلما اتجهنا نحو الوضع الحرج للمؤسسة ، فإذا ما علمنا أن الأمر الأساس في النفقات هو الرواتب التقاعدية فإن الأمر لا يحتاج الى خبير اقتصادي ليقرر أن التوسع غير المبرر في زيادة هذه الرواتب يزيد من النفقات ويقربها أكثر لتتساوى مع الواردات؛ الأمر الذي ان استمر على نفس الوتيرة فستجد - لا قدر الله - مؤسسة الضمان الاجتماعي نفسها غير قادرة على دفع الرواتب التقاعدية ناهيك عن التوجه الى تقليل بعض الحمايات الاجتماعية أو الغاؤها.


زيادة الواردات خطط وبرامج .. وزيادة النفقات تكفيها قرارات


في الوقت التي تشير فيه أسهم منحنيات المركز المالي لمؤسسة الضمان الاجتماعي الى الأسفل، لا بد من مساعٍ جادة ومسؤولة تخفف من سرعة هذا الانحدار أولاً ثم تغير اتجاهه الى الأعلى من جديد.

ان الحصول على مركز مالي مريح ومستدام للمؤسسة يتطلب باختصار اما زيادة الواردات أو تقليل النفقات أو كليهما؛ فإذا ما علمنا أن زيادة الواردات يتطلب زيادة مظلة المشمولين في الضمان الاجتماعي مما يعني وجوب الوصول على جميع العمال غير المشتركين في الضمان وابتكار البرامج والخطط لشمولهم خاصة في ظل نسبة كبيرة من العمال يعملون في القطاع غير المنظم وظهور أشكال عمل جديدة تتطلب أدوات شمول مبتكرة تؤمن لهؤلاء العاملين حقهم في الحماية الاجتماعية وتزيد من واردات مؤسسة الضمان الاجتماعي لتتمكن من تأمين الحمايات الاجتماعية لهم ولغيرهم.

واذا ما علمنا أن تقليل النفقات يمكن أن يعني تقليل الحمايات الاجتماعية المقدمة للعاملين أو تقليل الفئات المشمولة في هذه التأمينات أو تقليل جودة هذه التأمينات، وبالتالي فإن كل هذه العوامل لا تتطلب من المؤسسة سوى اتخاذ قرارات تنعكس مالياً بشكل سريع على المؤسسة فتحسن من مركزها المالي مؤقتاً.

ما بين صراع زيادة الحمايات الاجتماعية وتوسيع مظلة الشمول عن طريق بذل الجهد في البرامج والخطط وما بين تقليل النفقات بتقليص الحمايات باتخاذ القرارات لا بد من الانتباه أن الغاية الأساسية لوجود مؤسسة الضمان الاجتماعي وهي الحمايات الاجتماعية لا الملاءة المالية؛ بمعنى أن السعي نحو تعزيز المركز المالي يأتي بهدف حماية العمال وتوسيع مظلة الشمول في الحمايات الاجتماعية ، بمعنى أن سعينا لتوفير المال يحقق ويوسع الحمايات الاجتماعية ولكن لا يجوز أن نضطر الى تقليل الحمايات الاجتماعية بهدف توفير المال.


Post a Comment

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020