recent

أحدث القضايا العمالية

recent
جاري التحميل ...

أسامة بن زيد وتمكين الشباب النقابي .. نفحات نقابية من وحي السيرة النبوية

أسامة بن زيد وتمكين الشباب النقابي .. نفحات نقابية من وحي السيرة النبوية



حاتم قطيش - " رنان "

21/9/2022

في نهاية حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي نظرة استشرافية للمستقبل وبإجراء تعليمي وتدريبي للأمة في آلية اختيار قياداتها؛  قرر عليه الصلاة والسلام ارسال جيش مكوّن من ثلاثة آلاف مقاتل فيه كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار واختار عليهم قائداً شاباً يافعاً لم يبلغ سن الثامنة عشر من عمره وهو الصحابي الجليل أسامة بن زيد رضي الله عنه.

هذه الخطوة الغريبة والمفاجئة في مجتمع قبلي اعتاد تقديم الأكبر سناً وجاهاً لقيادة الناس، فلاقى قرار الرسول صلى الله عليه وسلم اعتراض الناس على هذا القائد الشاب، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال متعجباً  " أمّر علينا صبياً !!! ".


الأقدمية ليس أساساً في اختيار القادة


الرسول المربي المؤيّد بالوحي غضب من اعتراض الناس على تولية القيادة لشاب دون الشيوخ والزعماء الاجتماعيين فأصر على قراره وقال " والله انه لخليق في القيادة" أي أن سمات القائد الفطرية موجودة فيه منذ الخلقة ويلزمها فقط صقل هذه السمات عملياً؛ في إشارة الى وجوب اتباع أسس مهنية وموضوعية في اختيار القادة ليس من ضمنها السن أو الجنس أو حتى الأقدمية، فهذه معايير أثبتت فشلها ولم يعتمدها الرسول صلى الله عليه وسلم عند اختيار القادة، فهاهو أبا ذر رضي الله عنه - وهو من هو-  يطلب الامارة فيرد عليه النبي " يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً" ، فلم تشفع له رضي الله عنه أقدميته وايمانه وقربه من الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته له أن يختاره للقيادة.

وقد اعتمد عليه الصلاة والسلام الصفات الشخصية والمهام المطلوبة في اختيار القادة فنجد أن هناك قادة عسكريين كخالد بن الوليد رضي الله عنه الذي اعتنق الإسلام متأخراً قد اختاره النبي لقيادة الجيوش الإسلامية بعد اسلامه بأشهر قليلة، بينما كان من ضمن جنوده صحابة من المهاجرين الذين لهم فضل السبق في دخولهم للإسلام وصحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم.


تمكين الشباب لا يعيب القادة الكبار


لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم حاول المسلمون مع خليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن يختار قائداً غير أسامة يرتضيه الناس ولكن أبا بكر أصر على انفاذ جيش أسامة كما أمر الرسول المعلم عليه الصلاة والسلام، وبسبب المخاطر التي كانت تحيط بالمدينة استأذن الخليفة  أبو بكر من القائد أسامة أن يُبقي معه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأذن له، ويُذكر أن عمر بن الخطاب وبعد توليه الخلافة بعد أبا بكر رضي الله عنه اذا جاء أسامة بن زيد يقول له السلام عليك أيها الأمير، فيستعجب الناس فيرد عليهم عمر رضي الله عنه : " إنه كان أميري عندما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم"... تخيل أمير المؤمنين يجل ويعظم شاب من جيل أبناءه ولا يجد حرجاً من اظهار أنه كان أميره يوماً من الأيام، بالرغم من اعتراضه في بادئ الأمر على تولية هذا الشاب واقترح على أبي بكر تولية غيره حتى لا يكون سبباً في فرقة وضعف جيش المسلمين، ولكنه أدرك الحكمة بعد ذلك وأيدها وعمل بها.


تمكين الشباب يهيء للانتقال السلس للمستقبل


كانت يثرب - المدينة المنورة لاحقاً - منطقة ملتهبة في النزاعات بين قياداتها وما كانت تهدأ المنافسات بين الأوس والخزرج القبيلتين الأكبر فيها حتى حدثت حرب بُعاث بين هاتين القبيلتين وكان من نتائجها أن جميع القيادات التاريخية التأزيمية بين القبيلتين قد لقوا حتفهم في هذه الحرب الا شخص واحد فقط، وعليه فقد تولى قيادة يثرب بعد هذه الحرب قادة شباب جدد ملّوا من التناحر المتوارث وقد شرح الله صدورهم للإسلام فكانت يثرب هي المحض الدافئ للرسول صلى الله عليه وسلم والمهاجرين لتأسيس الدولة الإسلامية، وما كان لهذا المحضن أن يكون لولا أن يثرب قد تخلصت من القيادات الهرمة التأزيمية وتولى القيادة فيها قادة شباب أمّنوا الانتقال السلس والآمن للمدينة نحو المستقبل.

في مقام آخر، فإن الحديث عن مستقبل العمل ودور النقابات العمالية في الانتقال الآمن للعمال نحو أشكال العمل الجديدة، فإن من أحد عوامل هذا الانتقال العادل هو تبدل القادة التاريخيين للنقابات العمالية والذين ينتمون للماضي أكثر ما ينتمون للمستقبل وتمكين الشباب النقابي الذي يجب أن يكون له دور محوري  في تحديد شكل مستقبل العمل النقابي وتعديل الأنظمة الداخلية للنقابات بما يهيئ لهذا المستقبل، لا أن يتم اقصاؤه وتهميش دوره.


أين النقابات العمالية من هدي النبي في تمكين الشباب


عند سؤال أين وصلنا في تمكين الشباب النقابي وتجديد القيادات النقابية العمالية في الأردن والوطن العربي ككل لن نجد الجواب في الخطابات الرسمية والبيانات النقابية والتنظير حول تمكين  الشباب والمرأة ولكننا نجد الجواب في ملامح هذه القيادات والرؤوس المشتعلة شييباً، فمعظم القيادات النقابية العمالية هي ثابتة لا تتغير منذ عشرات السنين ويكاد عنصر الشباب يكون غائباً عنها في صورة مؤسفة ومحزنة عن نظرة هذه القيادات النقابية لدور الشباب، فمهما حدثتنا هذه القيادات عن ايمانها بتمكين الشباب الا ان الواقع النقابي لا ينسجم مع هذا الحديث بل ان السياسات في بعض التكوينات النقابية تجدها تعارض تمكين الشباب وتضع العراقيل أمام تمكينهم من خلال الممارسات الإقصائية و الأنظمة الداخلية التي تكرس بقاء القيادات الهرمة في مواقعها ولا تسهّل عملية الانتقال السلس للقيادات الشابة.

ان من أحد أساليب اضعاف دور الشباب وتهميشهم هو حصر جهودهم فيما يسمى اللجان الشبابية والتي تركز في عملها على النواحي الاجتماعية والرياضية وورشات العمل وتكون بعيدة كل البعد عن غرف صنع القرار النقابي ويبرع القادة النقابيين في امتصاص طاقة هؤلاء الشباب وحماستهم وتوجيه هذه الطاقات الى أمور نقابية ثانوية على حساب الاهتمام والتأهيل في الأمور النقابية العمالية الأساسية كأخذ دور مهم في تعديل التشريعات الوطنية كقانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي وأن يكون لهم لمسات واضحة في تعديل الأنظمة الداخلية للنقابات العمالية وتفعيل دور الهيئات العامة في المراقبة والمحاسبة.

ان اللجان الشبابية النقابية وان كان وجودها مهماً في تأهيل الشباب وادماجه في العمل النقابي، الا انها - ان أُسيء توجيهها - فتعتبر مقبرة للطاقات الشبابية النقابية وسبباً في انكفاء الشباب لاحقاً عن هذه اللجان والنقابات بشكل عام، كما أن اتباع أسلوب التعيين لرؤساء وأعضاء اللجان النقابية وعدم اتاحة المجال للشباب النقابي من اختيار ممثليهم بالانتخاب انما ينبئ بأن هذه اللجان لا تمثل الشباب النقابي وانما تمثل القيادات النقابية التي قامت بتعيينها، لا سيما اذا ما تم اختيار هؤلاء الأشخاص ممن تجاوزا سن الأربعين الذي هو سقف جيل الشباب المتعارف عليه!!




إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020