recent

أحدث القضايا العمالية

recent
جاري التحميل ...

تسهيل انهاء عقود العمل غير محددة المدة .. ردة تعاقدية وانتكاسة نقابية

تسهيل انهاء عقود العمل غير محددة المدة .. ردة تعاقدية وانتكاسة نقابية


حاتم قطيش - "رنان"
8/10/2025

ان تصنيف قانون العمل لأنواع عقود العمل بعقد محدد المدة وعقد غير محدد المدة؛ ليعطي انطباعاً أن العقد غير محدد المدة انما هو عقد استحدث لعلاقة تعاقدية بين طرفي الانتاج ( صاحب العمل والعامل ) وما يميز هذه العلاقة التعاقدية أنها علاقة طويلة وغير محددة مدة انتهاء العقد ما لم يطرأ طارئ يضطر أحد طرفي التعاقد من تبرير رغبته بإنهاء العقد.

عندما يرغب صاحب العمل بتشغيل عامل أو أكثر لفترة زمنية محددة وبمهارات معينة يلجأ بالعادة الى العقد محدد المدة في سبيل تسهيل انفكاك العلاقة التعاقدية نهاية العقد ويمنح صاحب العمل عماله امتيازات بموجب هذا العقد تكون أعلى بالعادة من الامتيازات التي يتمتع بها باقي العمال في سوق العمل وخاصة فيما يتعلق بالأجر؛ ابتغاء قبول العامل للعمل لصالح صاحب العمل لفترة محددة ثم يضطر العامل للعودة الى سوق العمل كباحث عن عمل جديد، بينما يلجأ صاحب العمل الى عقد غير محدد المدة اذا اتسم نشاطه الاقتصادي بالاستقرار ورغب في استمرار العمال بالعمل لصالحه لفترة طويلة، وقد يفضل العامل العقد غير محدد المدة حتى وان كان بأجور وامتيازات أقل في سبيل الحفاظ على الميزة المهمة وهي الاستقرار الوظيفي والاستمرار في العمل، وهذا ما جرى عليه التعاقد على مدار سنين طويلة واستقر عليه سوق العمل والعلاقات التعاقدية بين العمال وأصحاب العمل.


نص المادة لم يتغير، وانما تغير التفسير القضائي لها



الفقرة (أ) من المادة (23) من قانون العمل تنص على :" إذا رغب أحد الطرفين في انهاء عقد العمل غير محدد المدة، فيترتب عليه إشعار الطرف الآخر خطياً برغبته في إنهاء العقد قبل شهر واحد على الأقل ولا يجوز سحب الإشعار الا بموافقة الطرفين".

صحيح أن النص الصريح للمادة لم يشترط اجراءات معينة يتوجب على صاحب العمل اتخاذها لتبرير انهاء العقد، وانما ما استقرت عليه الحالة التعاقدية ضمن هذا النوع من التعاقد لسنين طويلة هو أن روح النص ومفهوم عقد العمل غير محدد المدة يلزم صاحب العمل الحفاظ على هذه الحالة التعاقدية غير محددة المدة طالما أن نشاطه الاقتصادي مستقر ولم تجد أمور تتطلب منه اتخاذ اجراءات " غير اعتيادية " كانها عقود العمال ذوي العقود غير محددة المدة، وقد ألزم القضاء - قبل العام 2020 -  صاحب العمل بعبء إثبات مشروعية الإنهاء.
بناءاً على الاجتهاد القضائي الصادر عن محكمة التمييز رقم (3034/2029) بتاريخ (12/3/2020) تغير الاجتهاد القضائي معفياً صاحب العمل من عبء اثبات مشروعية الإنهاء مقراً أن القيد الوحيد في انهاء التعاقد هو "الاخطار" وذلك اعتماداً على أن العقد يقوم على مبدأ الرضائية وعدم أبدية الإلتزام.


الأمان الوظيفي والاستقالة .. مصطلحات من الماضي


كما تم الاشارة أعلاه أن الأهداف الحقيقية التي تدفع العامل لتفضيل عقد العمل غير محدد المدة انما هو بحثه عن ما يسمى الأمان الوظيفي، بالرغم من علمه المسبق أنه لو تقدم الى شركة أخرى بعقد عمل محدد المدة فقد يحصل أجر أعلى وامتيازات أكثر الا أنه قدّم الأمان الوظيفي طويل الأمد على الارتفاع المؤقت للأجر، ولكن مع الاجتهادات القضائية فيما يتعلق بتسهيل عملية انهاء التعاقد من طرف صاحب العمل والزامه فقط بتقديم اشعار الانهاء، ستجعل العمال يفضلون عقود العمل محددة المدة بأجور أعلى وامتيازات أكثر طالما أن الأمان الوظيفي مفقود في العقدين؛ بل ربما يفاوض العامل صاحب العمل على زيادة مدة عقد العمل محدد المدة ابتغاء زيادة مدة الاستقرار الوظيفي له.
من ناحية أخرى فإن العامل الراغب بانهاء عقد العمل غير محدد المدة كان يلزمه أن يتقدم باستقالة خطية الى صاحب العمل وجرت العادة أن العامل يضمّن هذه الاستقالة الى الأسباب التي دفعته الى تقديم هذه الاستقالة ويطلب بموجبها موافقة صاحب العمل على قبولها، بينما الآن يبدو أن مصطلح "استقالة" لن يكون له مكان بل سيتم استبداله باشعار انهاء عقد العمل، حيث سيكتفي العامل "باشعار" صاحب العمل بانتهاء عقد العمل ولن يلزمه تقديم أية مبررات ولن يناقش أو ينتظر موافقة صاحب العمل بل غير مطلوب منه مراعاة توقيت انهاء التعاقد ومناسبتها لظروف صاحب العمل والتزاماته الاقتصادية مع أطراف أخرى.
لا شك أن لجوء أصحاب العمل الى استسهال انهاء التعاقد مع العمال دون مراعاة ما يسمى الاستقرار الوظيفي ودون النظر حتى الى ظروف والتزامات العمال الاقتصادية والتي التزم بها ابتداءاً بناءاً على اعتماده على أن تعاقده مع صاحب العمل غير محدد المدة وطالما أنه ملتزم بعمله وتعليمات صاحب العمل وطالما أن نشاط صاحب العمل الاقتصادي مستقر فإن عقده سيكون ساري المفعول ما دفعه الى ترتيب التزامات مالية تتعلق على الأغلب بالسكن والعلاج والتعليم وان لجوء صاحب العمل الى انهاء التعاقد معه دون ابداء أسباب وجيهة ستجعله في مواجهة كل هذه الالتزامات وربما ينتهي به المطاف ليكون ضمن قوائم المتعثرين اما خلف القضبان أو على أبواب وزارة التنمية الاجتماعية.

من ناحية أخرى فإن صاحب العمل سيكون في حالة توتر وتأهب مستمر خوفاً من أن العامل الماهر الذي يتقن عمله سيقرر بلحظة غير مناسبة انهاء عقده مع صاحب العمل دون مراعاة لظروف صاحب العمل والتزاماته الاقتصادية؛ الأمر الذي سينعكس بالمجمل على سوق العمل وشيوع الحالة السلبية على عقود العمل وربما ظروف العمل وانتاجية العمال.

ارتفاع في البطالة والتقاعد المبكر، وتراجع في شروط العمل اللائق 


لا شك أن تسهيل انهاء عقود العمل غير محددة المدة ستتيج لبعض أصحاب العمل التخلص من بعض العمال غير المنتجين، ولكنها في المقابل ربما ستؤدي الى فقدان العمال المهرة وستجعل التعاقد معهم في المستقبل يشوبه الحذر نتيجة الصورة النمطية التي سيرسمها أصحاب العمل عن أنفسهم بأن العمل لديهم لا أمان فيه فتجعل نشاطهم الاقتصادي طارداً للكفاءات الفنية.
على الصعيد الآخر فإن استغناء أصحاب العمل عن العمال ذوي الأعمار ما بين 40 الى 55 سنة رغبة منهم بتعيين عمال جدد بأجور أقل وحمايات اجتماعية أقل ستؤدي الى ازدياد معدل البطالة كون معظم هؤلاء العمال لن يتحصلوا على فرص عمل تراعي خبراتهم الطويلة وأجورهم الخاضعة للضمان الاجتماعي المرتفعة - نسبياً - ما يجعلهم مضطرين للتقاعد المبكر "القسري" ان كانوا مستوفين لشروطه وسيضطرون أيضاً للعودة الى سوق العمل لتلبية التزاماتهم المالية تجاه عائلاتهم.
ان توجه العدد الأكبر من هؤلاء العمال الى التقاعد المبكر سيؤدي بالضرورة الى زيادة فاتورة التقاعد المبكر لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي وسيعود بالسلب على الموقف المالي للمؤسسة وسيقوض من امكانية وفائها لتوسيع وتجويد مظلة الحمايات الاجتماعية بل وتأمين استحقاقات الرواتب التقاعدية للمتقاعدين في المستقبل!!
ان هؤلاء العمال المتقاعدين مبكراً قسراً أو حتى الذين لم يستوفوا شروط التقاعد المبكر سيعودون حتماً الى سوق العمل اما لعدم كفاية رواتبهم التقاعدية أو لعدم استيفائهم لشروط التقاعد المبكر المتعلق بعدد الاشتراكات؛ أقول ان هؤلاء سيضطرون للعودة الى سوق العمل كمستجدين يقبلون بأجور متدنية وحمايات اجتماعية معدومة وسيكونون لقمة سائغة لبعض أصحاب العمل الذين سيستغلون ظرفهم وخبراتهم الطويلة لتشغيلهم ضمن شروط متدنية للعمل اللائق وليكونوا بدلاء عن عمال مهرة بأجور مرتفعة نسبياً سيتم الاستغناء عنهم لاحقاً بما يتوافق مع قرارمحكمة التمييز فيما يتعلق بالعقود غير محددة المدة، حيث سيتم استخدام الضحايا الحاليين للمادة 23 للاستغناء عن ضحايا جدد في المستقبل.



تراجع في جودة التشريعات واضعاف للعمل النقابي 



ان التطبيق العملي للمادة 23 من قانون العمل قبل قرار محكمة التمييز في العام 2020 باشتراط اثبات مشروعية انهاء عقد العمل غير محدد المدة كان منسجماً أولاً مع روح قانون العمل وتصنيفه لعقود العمل والاستقرار التشريعي الذي يرسخ الاستقرار الوظيفي ثم انسجام هذا الأمر مع التشريعات الدولية وعلى رأسها اتفاقيات العمل الدولية.

ان اقرار اتفاقية العمل الدولية رقم 158 وتوصية العمل الدولية 166 اللتان تتحدثان عن قيود انهاء الاستخدام من طرف صاحب العمل ما لم يوجد سبب صحيح لهذا الانهاء؛ ليعطي انطباعاً أن الشرعة الدولية قد أولت الاستقرار الوظيفي أهمية بالغة وهي لا تأتي من باب الترف الفكري والحديث المنمق عند المهتمين بالشؤون العمالية.
وانطلاقاً من قاعدة أن التشريعات الدولية تسمو على التشريعات الوطنية، يتوجب حكماً عدم اقرار أي تشريع وطني يتعارض مع التشريعات الدولية كاتفاقيات العمل الدولية، وان وجد نص قانوني في التشريعات الوطنية يتعارض مع التشريعات الدولية وجب تعديل هذا النص بما ينسجم ولا يتعارض معها.



دور النقابات العمالية في تحديث التشريعات وحماية العمال



بالرغم من حماية قانون العمل حق الانتساب للنقابات العمالية وايلاء حماية اضافية لممثلي العمال ومنع صاحب العمل من اشتراط أو الطلب من العمال عدم الانتساب للنقابات العمالية أو اتخاذ أية اجراءات تعسفية بحقهم بسبب انتسابهم للنقابات أو نشاطهم النقابي؛ الا ان القرار القضائي فيما يتعلق بالمادة 23 ليفتح الباب على مصراعيه لبعض أصحاب العمل من انهاء عقود العمل لممثلي العمال أو النقابيين النشطاء أو حتى المنتسبين للنقابات العمالية تحت غطاء المادة 23؛ الأمر الذي سينعكس سلباً على قوة النقابات العمالية بسبب خوف العمال من الانتساب للنقابات العمالية أو عزوفهم من التصدر للمواقع القيادية في النقابات العمالية خشية أن تطالهم قرارات انهاء العقود التعسفية. 

ان التطور أو قل " التدهور " الدراماتيكي الناتج عن القرار القضائي بخصوص المادة 23 من قانون العمل ولجوء بعض أصحاب العمل الى تسريح للعمال بالجملة استناداً لهذا القرار ليرسل اشارة خطر كبيرة يجب على النقابات العمالية أن تستقبلها باهتمام بالغ وتسارع الى وضع خارطة طريق والتشبيك مع الفعاليات الشعبية الأخرى ومؤسسات المجتمع المدني ومجلس الأمة بشقية الأعيان والنواب وتعبئة العمال باتجاه وضع حد لهذه الممارسات وضرورة اجراء تعديلات على المادة 23 بحيث يتم تقييد شروط انهاء عقود العمل غير محددة المدة بما يحافظ على جودة التشريعات الوطنية ويحمي البيئة الاستثمارية ويحصن الحقوق العمالية ويحافظ على ما تبقى من العمل النقابي العمالي.











Post a Comment

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020