28/12/2025
للتقاعد جانبان: اجتماعي خاص بالمجتمع والمواطن، وجانب مالي خاص بمؤسسة الضمان الاجتماعي. وسأبدأ بالجانب الاجتماعي للتقاعد، ولاحقا سأتناول الجانب المالي والاقتصادي:
أولا: التقاعد الوجوبي:
التقاعد عن العمل حاجة انسانية لأفراد المجتمع بعد سنوات من العمل المنتج، وعلى هذا الأساس قامت كل أنظمة الضمان الاجتماعي لتوفير راتب تقاعدي لهذه الفئة، وهي أساس عمل مؤسسات الضمان الاجتماعي.
اقتصرت أنظمة التقاعد في الأردن على موظفي الدولة، وتبعها في ذلك النقابات المهنية، وأكتفت بتعويض نهاية الخدمة للعاملين غي القطاع الخاص، وأهملت بقية السكان، وتركت لهم أو لعائلاتهم أو أعمال الخير مسؤولية ضمان شيخوختهم.
وشكل انشاء مؤسسة الضمان قبل 50 سنة بداية تولي المجتمع لهذه المسؤولية بشكل قانوني، لكنها للآن لم تستطع اكمال مهمتها.
بلغ عدد رواتب التقاعد التراكمية في عام 2024 حسب إحصاءات المؤسسة 107 الاف متقاعد وجوبيا يضاف لهم المتقاعدين مبكرا قبل عام 2016 ( حيث تجاوزوا الآن عمر الستين) ليصبح عدد من المسنين (فوق الستين) ممن يحصلون على راتب تقاعدي 200 ألف متقاعد، بينما يبلغ عدد المسنين فوق الستين في الأردن أكثر من نصف مليون شخص مما يعني أن الضمان لا يمنح راتب تقاعدي الا لثلث المسنين.
معظم المشتركين بالضمان لا يستطيعون الحصول على راتب تقاعدي، بل على تعويض الدفعة الواحدة، فقد تجاوز عددهم التراكمي أكثر من مليون شخص مشترك بالضمان ولم يحصل على راتب تقاعدي، وقد يكون الرقم أعلى من ذلك بكثير حيث تشير التقارير السنوية المتتالية للضمان على مدى عمره أن الحاصلين على تعويض الدفعة الواحدة يشكلون أكثر من ثلاث أضعاف الحاصلين على راتب تقاعدي.
نستنتج مما سبق بأن الرواتب التقاعدية لمن هم فوق الستين لا تشكل الجزء الأساسي من عمل ومهام الضمان بل تأخذ مرتبة ثانية (اجتماعيا)، كما أنها تستثني جزء كبير من المشمولين إلى جانب غير المشمولين وهم النسبة الأكبر من السكان.، ولن يؤدي الحديث عن رفع سن التقاعد الا إلى تخفيض أعداد ونسبة من يحصل على راتب تقاعدي من المسنين، ويرجع بالضمان عدة خطوات للوراء بدلا من دفعه للتقدم للأمام.
ثانيا: التقاعد المبكر
الضمان مسؤول أيضا عن تقديم خدماته لأي شخص يفقد الدخل قبل سن الستين، لذلك تم تصميم تأمينات العجز، والبطالة لمعالجة هذا الأمر، وأضيف عليه تأمين براتب التقاعد المبكر.يبلغ متوسط أعمار التقاعد المبكر 50 سنة أي 10 سنوات قبل سن الستين أي أن المتقاعد مبكرا سيأخذ 10 سنوات (بالمتوسط) زيادة عن المتقاعد على سن الستين. وبالتالي ينخفض العدد الحقيقي التراكمي للمتقاعدين مبكرا في عام 2024 إلى 100 ألف متقاعد مبكرا بدلا من الرقم الذي يعلنه الضمان والبالغ 187 ألف متقاعد مبكرا بسبب تجاوز معظمهم سن الستين كونهم تقاعدوا في سنوات سابقة.
بلغ عدد المتقاعدين مبكرا ( 45-60 سنة ) حوالي 22 ألف متقاعد مبكرا ... من مجموع المؤمن عليهم بنفس الفئة العمرية أي مما يشمل 7% من المشتركين الذين يستحقون التقاعد المبكر. مما يعني أن أغلبية المشتركين لا يلجأون للتقاعد المبكر ( بمن فيهم المهن الخطرة) الا مضطرين لهذا الخيار وبعد أن أصبحوا غير قادرين على كسب العيش بسبب سوق العمل( الذي يشمل أيضا القطاع العام في ظل سياسات الخصخصة).
سمح التطور التكنولوجي والنمو الاقتصادي الجيد للدول المتقدمة بتطوير أنظمة الضمان الاجتماعي رغم الهجمة التي تتعرض لها هذه الأنظمة من جانب النيوليبراليين، تماشيا مع تطور أنظمة العمل. فقلصت ساعات العمل وطورت أساليب للعمل المرن وعممت تأمينات البطالة حتى وصلت للتقاعد المرن حيث تسمح كثير من مؤسسات الضمان لأي مؤمن عليه أن يختار إما التقاعد في اي عمر يختار ويخضع للخصومات التي تتلاءم مع عمره وطول فترة اشتراكه ، شريطة أن يتقاعد فعلا ولا يلجأ للتحايل والعمل في مهنة أو وظيفه تدر دخلا.
هنا تكمن مشكلة التقاعد المبكر في نظام الضمان في بلادناـ حيث الصالح يؤخذ بعروة الطالح، فالكثير من المتقاعدين مبكرا لا يتقاعدون فعلا بل ينتقلون لعمل أو مهنة لم يستطع الضمان شمولها بمضلته.، وهذا لا يشكل خسارة كبيرة للمركزالمالي للضمان وقدرته على تلبية احتياجات عدد أكبر من المتقاعدين فقطـ بل يلحق ضررا بالمؤمن عليهم الذين يرغبون أو يضطرون فعلا بترك العمل قبل السن القانوني.
لذلك فإن إصلاح هذا الخلل لا يتم عن طريق الغاء أو رفع سن التقاعد المبكر بل عن طريق ربطه بتأمين البطالة المؤقت من جهة وربطه بالتوقف فعليا عن العمل ضمن آلية يسيطر عليها الضمان بمساعدة الدولة.
إن التركيز على التقاعد والتقاعد المبكر والإساءة لوضعهما غير علمي ولا يستند إلى الواقع المؤيد بالإحصاءات الرسمية، والمس بهما سلبا لا يفيد الضمان ولا مركزه المالي كما سيأتي لاحقا،لكنه يخفي عجز المجتمع ومؤسسة الضمان عن توفير الحماية الاجتماعية للمسنين ومن يفقدون عملهم.

Post a Comment