د. محمد الزعبي
28/12/2025
تتكرر الضجة حول المركز المالي للضمان الاجتماعي واستدامته المالية كل فترة وأخرى، ويترافق مع ذلك تعديل جديد لقانون الضمان يهدف إلى زيادة ايراداته أوتخفيض نفقاته، يتضرر من الأولى (زيادة الايرادات) أصحاب العمل والعمال المشتركين, ويتضرر من الثانية (تخفيض النفقات) المتقاعدين.
يأتي هذا الخوف على مستقبل الضمان رغم أنه لم يمض على تأسيسه الا أقل من خمسين عاما، أوهي مدة قصيرة مقارنة مع مؤسسات الضمان في العالم التي تزدهر لفترة تتجاوز هذه المدة بكثير قبل أن تدق نواقيس الخطر عى مراكزها المالية.
يبدأ القلق على المركز المالي لهذه المؤسسات عندما يتباطء أو يتوقف نمو عدد المشتركين، مع استمرار نمو عدد المتقاعدين، و بعد استنزاف كل الفرص والامكانيات لتوسعة الشمول بمظلة الضمان، وهذا لا يتم الا بعد شمول كل السكان البالغين والقادرين على العمل.
يكتمل القلق على الضمان ، خصوصا في ظل شيخوخة السكان عندما يصل عدد المسنين ( في سن التقاعد) لأكثر من ربع السكان كما هو حاصل في الدول المتقدمة، لكن الوضع في الدول الشابة مثل الأردن لا تتجاوز نسبتهم 6.5% وهي نسبة ضئيلة من السكان.
ونظريا يقوم اثنان من العمال بتمويل متقاعد واحد في الدول المتقدمة في حين يتوفر أكثر من 8 عمال للانفاق على متقاعد واحد في الأردن.
مسيرة مؤسسات الضمان واضحة ومتشابهة في كل أنحاء العالم، وهذا ما جرى بالضمان الأردني في بداياته، حيث بدأ بشمول عدد بسيط جدا من السكان من العاملين في الشركات الكبيرة، ثم توسع لشمول الشركات الأصغر، يليها شمول موظفي الدولة ( مدنيين وعسكريين) ثم الهيئات والمؤسسات المجتمعية.
انطلقت مؤسسات الضمان في دول العالم بعدها، لمواجهة وتجاوز تحديات شمول العاملين في القطاعات غير المنظمة أو المنشاءت الصغيرة جدا والعاملين لأنفسهم.
ثم تنتقل للمهمة الأصعب لشمول المواطنين الذين يعانون من البطالة وفئات غير العاملين الأخرى بما فيها ربات البيوت، حتى لا يبقى مواطن ( أو حتى مقيم) غير مشمول بالضمان. وهو ما تحقق في كثير من دول ما يسمى بالرفاه الاجتماعي.
أما في الأردن ، ورغم أن الضمان الأردني ما زال فتيا وفي بداية الطريق، لكنه يعاني من ضعف بنيوي واضح نتيجة الأخطاء والثغرات التي صاحبت نشوئه، ولم يتم تصويبها، من جهة، وما أضيف لها من تشوهات جديدة مع تعديلات قانون الضمان المتتالية، والتي جرت بإشراف الحكومات المتعاقبة ومشاركة صندوق النقد والبنك الدوليين ورضى مجلسي النواب والأعيان وسكوت أو عجز أصحاب العمل والعمال.
يأتي هذا الضعف قبل أوانه بسبب انسداد الآفاق أمام توسعة الشمول في ظل عدم توفر الإرادة الوطنية لتوفير الرعاية الاجتماعية لكل المواطنين واقتصارها على هذا العدد المحدود من المشمولين بالضمان في الأردن.
نشير إحصاءات الضمان أنه يشمل حاليا حوالي مليون ونصف مؤمن عليه أي ما يعادل أكثر من 80% من المشتغلين. أو65% من قوة العمل التي تبلغ 2 مليون .
تشير دائرة الإحصاءات العامة إلى أن عدد االسكان البالغين 20- 60 سنة حوالي 6 ملايين نسمة وهي الفئة العمرية المستهدفة للشمول بالضان، بل أن عدد الذكور البالغين فقط يتجاوز 3 ملايين نسمة. أي أن الضمان في الأردن لا يشمل الا 25% من السكان في عمر العمل (20-60 سنة), وإذا دخلنا بالتفاصيل فإن شمول الإناث لا يتجاوز 15% منهن وترتفع نسبة الشمول لدى الذكور لكنها لا تتجاوز 30%.
معنى هذه الأرقام أن مشكلة الضمان هي انخفاض نسبة شمول المواطنين حيث أن أغلبيتهم ذكورا وإناثا غير مشمولين بالضمان الاجتماعي، وأن هذه المشكلة ( ومشاكل أخرى) هي سبب ضعف المركز المالي للمؤسسة بسبب محدودية الاشتراكات الناتجة هن محدودية عدد المشتركين وليس بسبب التقاعد أو التقاعد المبكر كما سأوضح ذلك لاحقا.

Post a Comment