recent

أحدث القضايا العمالية

recent
جاري التحميل ...

اصلاح الضمان الاجتماعي .. حتى لا يكون التقاعد المبكر كبش الفداء

اصلاح الضمان الاجتماعي .. حتى لا يكون التقاعد المبكر كبش الفداء



حاتم قطيش - رنان

23/12/2025

 أشعل صدور الدراسة الاكتوارية الحادية عشر للضمان الاجتماعي موجة نقاش وحوار الكتروني حار - ولا تزال-  وتضاربت عشرات المقالات والتقارير كأمواج بحر لجّي ترفع معنويات المواطن الأردني تارة وتهوي به الى القاع تارة أخرى، فكما يتحدث البعض أن معطيات الافتراضات للدراسة الاكتوارية تؤثر على نتائجها ان تم التلاعب بها من قبل طالب الدراسة؛ أيضاً فإن تعاطي الإعلام والمحللين والخبراء مع مخرجات هذه الدراسة بتركيز المجهر على ارتفاع فاتورة التقاعد المبكر كمسبب رئيسي "ووحيد" لجذب نقطة التعادل واغفال الحديث عن المسببات الأخرى أو حتى العوامل الكثيرة التي ضاعفت من أعداد المتقاعدين مبكر وتركيز النقاش على النتائج بالترويج للتعديلات المرتقبة على قانون الضمان الاجتماعي وأبرزها الغاء التقاعد المبكر أو حتى رفع سن التقاعد المبكر يعتبر تلاعباً غير بريء أيضاً.


كيف استنزف التقاعد المبكر أموال الضمان


لا شك أن أحد أسباب استنزاف أموال الضمان الاجتماعي هو ارتفاع فاتورة التقاعد المبكر ولا مراء في ذلك؛ ولكن المشكلة ليس بوجود التقاعد المبكر بقانون الضمان بل باستخدامه لترحيل مشاكل مالية أخرى على حساب الضمان الاجتماعي من خلال بوابة التقاعد المبكر، ولعلي هنا أسرد بعض هذه المسببات:

ضعف الأجور

بالنظر الى أن التقاعد المبكر هو قرار شخصي وذاتي للعامل؛ فإن أحد أهم الأسباب التي تجعل العمال يتقدم "طواعية" الى التقاعد المبكر هو ضعف الأجور، حيث وصول العامل الى عمر فوق 45 أو 50 عام وبالتالي ارتفاع المسؤليات العائلية من تعليم وصحة وقروض سكنية يضطره للبحث عن موارد دخل اضافية فيخرج من سوق العمل من بوابة التقاعد المبكر ليعود لاحقاً من نافذة العمل غير المنظم ضمن ظروف عمل غير لائقة - على الأغلب - وأجور متدنية وبلا حمايات اجتماعية بالاضافة لكونه مخالفاً للقانون، لذلك فإن أحد أسباب عدول العمال عن التقاعد المبكر الطوعي هو رفع معدل الأجور.


البنك الدولي والترشيق الحكومي

لعل من أحد أهم أسباب الارتفاع الهائل في أعداد المتقاعدين مبكر هو اطلاق برنامج الترشيق الحكومي بناءاً على توصيات من صندوق البنك الدولي بهدف تقليل بند الرواتب في الموازنة العامة؛ الأمرالذي أوجب انهاء خدمات كل من أتم خدمة 30 عاماً من موظفي القطاع العام؛ ليجد موظف القطاع العام نفسه مضطراً للتقدم الى التقاعد المبكر للحصول على راتب تقاعدي لا يفي بالالتزامات المطلوبة منه مما يضطره أيضاً الى العودة الى سوق العمل من جديد وبشكل غير قانوني.


المادة 23 من قانون العمل

التقاعد المبكر القسري لم يعاني منه موظفو القطاع العام فقط؛ بل امتد الى موظفي القطاع الخاص من خلال اعادة تفسير المادة 23 من قانون العمل التي فتحت الباب على مصراعيه لأصحاب العمل بالاستغناء عن العاملين ذوي العقود غير محددة المدة بدون أسباب موجبة كما كان معمولاً بالسابق؛ الأمر أدى الى انهاء خدمات العديد من العمال مما اضطره للجوء الى التقاعد المبكر، صحيح أن ضحايا هذه المادة لم يكن كبيراً بسبب العمل بالتفسير الجديد للمادة 23 كان قبل فترة قليلة وليس منذ سنوات ، ولكن ان لم يتم لجمه وتعديل المادة بما يحقق الأمان الوظيفي للعمال سيكون أحد أسباب ارتفاع التقاعد المبكر في السنوات القادمة وسيتم ملاحظته جيداً في الدراسات الإكتوارية المقبلة.


الدراسات الإكتوارية 

يفترض بالدراسات الإكتوارية انها تقدم رؤية مستقبلية لتدارك الأخطاء والأخذ بأسباب الاستدامة لتطمين المشتركين الحاليين وتحفيز الآخرين الى الاشتراك في الضمان الاجتماعي كونه يشكل مستقبلاً مطمئناً لهم ولعائلاتهم، ولكن للأسف ما تحدثه الدراسات الاكتوارية المتتالية والمتناقضة محفوفة بجوقة اعلامية تبعث برسائل الشك والريبة والخوف على مستقبل الضمان ومدى قدرته على الوفاء بالتزاماته تجاه المشتركين والمتقاعدين، ناهيك عن التلويح بشكل متكرر الى تعديلات قاسية فيما يتعلق بالتقاعد المبكر فيتخذ العديد من العمال قرارهم تحت الضغط النفسي باحالة أنفسهم الى التقاعد المبكر لضمان الحصول على راتب تقاعدي.


ولاستنزاف أموال الضمان عوامل أخرى ..


اذا ما تجاوزنا التقاعد المبكر للبحث عن عوامل أخرى أدت الى استنزاف أموال الضمان الاجتماعي سنجد حتماً العديد منها، بالتأكيد لن تكون بنفس فاعلية الاستنزاف ولكن لا بد من عدم اهمالها للخروج بأفكار متكاملة تسهم في استدامة الضمان.


الاستقلالية و اعادة الهيكلة 


ان استمرار الوصاية الحكومية على مؤسسة الضمان الاجتماعي من شأنه تقييدها في اتخاذ قرارات مستقلة قد تساهم في توسيع مظلة الشمول وتقليل عوامل استنزاف أموال الضمان، خاصة فيما يتعلق بالاستثمار. ومن غير المقبول أن تطالب مؤسسة الضمان يومياً بالتوقف عن التقاعد المبكر ثم يأتي القرار الحكومي بانهاء خدمات موظفي الضمان أنفسهم واحالتهم الى التقاعد المبكر القسري ضمن برنامج الترشيق الحكومي!!

كما يجب اعادة النظر في حوكمة مؤسسة الضمان الاجتماعي، ان وجود مجلس ادارة خاص بالاستثمار يرتب مصاريف ورواتب ومكافآت وبدلات اضافية تستنزف أموال الضمان في وقت نحن بحاجة الى تقليل المصاريف الادارية الى الحد الأدنى.


الاستثمار و السندات الحكومية

لا يعقل أن تستحوذ الحكومة على ما يزيد عن 60% من أموال الضمان الاجتماعي من خلال السندات وبعائد ربح قليل نسبياً، فقد حذر الخبراء الاقتصاديون من وضع أموال الضمان في سلة واحدة حتى لو كانت أكثر أماناً؛ بل اعتبر العديد منهم أن تنويع الاستثمار فيه أمان أكثر لأموال الضمان الاجتماعي.

ان اعادة النظر في النشاط الاستثماري للمؤسسة واعادة توجيهه يعد أهم أسباب وقف استنزاف أموال الضمان وتنويع النشاط الاستثماري ولتمهيد الأرضية المناسبة لمثل هكذا قرارات لا بد من تحقيق الاستقلالية الادارية.


اشتراكات العسكريين


من التشوهات التشريعية التي حصلت على قانون الضمان الاجتماعي بهدف ترحيل مشاكل الحكومة الاقتصادية - كما العادة- الى صندوق الضمان الاجتماعي تعتبر أحد أسباب استنزاف أموال الضمان الاجتماعي التي هي أموال الأردنيين لا الحكومة، فمن غير المعقول أن تعفي الحكومة نفسها من دفع اشتراكات العسكريين لمؤسسة الضمان الاجتماعي اذا ما قل معدل النمو الاقتصادي الى ما دون 5%.


تقليل الحمايات الاجتماعية للعمال 


لطالما طالب الخبراء الحكومة بابتكار أساليب وبرامج تشجع الاستثمار وتدعم أصحاب العمل لضمان بقائهم في سوق العمل‘ ولكن أفكار الحكومة الابداعية لم تمس الأموال التي تدخل الموازنة العامة بشكل مباشر كتخفيف الضرائب على أصحاب العمل مثلاً؛ بل انها اتّكأت على أموال الأردنيين فأعفت أصحاب العمل من شمول من هم دون سن 30 عاماً من الشمول في بعض الحمايات التأمينية في الضمان الاجتماعي الأمر الذي انعكس على تقليل موارد الصندوق من الاشتراكات وبالتالي فاقم من استنزاف أموال الضمان.


زيادة الواردات أهم عوامل استدامة الضمان 


ان ضبط النفقات وازالة التشوهات التشريعية عامل مهم في الحد من استنزاف أموال الضمان الاجتماعي، وهو بالمناسبة يتم من خلال قرارات لا تستوجب برامج عمل ميدانية ويكون مردودها آني وسريع على الصندوق فيشعر أصحاب القرار بنشوة الانجاز كون قراراهم الذي اتخذوه بالحد من المصروفات آتى أكله بشكل سريع. 

القرارات التي تقلل من الحمايات الاجتماعية بهدف وقف استنزاف أموال الضمان هي تخرج بشكل أساسي عن هدف انشاء مؤسسة الضمان الاجتماعي التي لا يجوز التعامل معها من زاوية مالية بحتة واهمال الجانب الحمائي والاجتماعي للعمال.

الاجراء الأهم لضمان بقاء الحمايات الاجتماعية بل توسيعها وبنفس الوقت الحفاظ على استدامة المؤسسة يتركز بزيادة مدخلات صندوق الضمان ليغطي النفقات ويوسع الخدمات ويعزز الاستدامة، وهذا بالطبع يتطلب برامج وعمل دؤوب .


توسيع الشمول والحد من التهرب التأميني


لا يجوز القبول باستمرار بقاء 45% من  العاملين تقريباً خارج مظلة الضمان الاجتماعي، وهنا باعتقادي تكمن المشكلة الأكبر، فإن أي برامج اصلاحية للضمان الاجتماعي يجب أن تتركز على وضع خطط عمل واضحة ومفرغة زمنياً وأهداف يمكن قياسها وبالتالي محاسبة القائمين على المؤسسة ان هم قصروا في عملهم من أجل الحد من التهرب التأميني وضمان شمول كافة العاملين ضمن مظلة الحمايات الاجتماعية ووضع رؤى واضحة لشمول العاملين في الاقتصاد غير المنظم وابتكار آليات حديثة لاستقطاب العاملين لصالحهم والعمل الحر ، بالاضافة الى استيعاب أشكال العمل الجديدة  المستحدثة في سوق العمل وشمولها بالحماية الاجتماعية .. أقول هنا يكمن الحل الأساسي لمشكلة زيادة موارد الصندوق لتحقيق الاستدامة وغير ذلك يعتبر حلولاً آنية غير مستدامة وتنتقص من الحمايات الاجتماعية.


رفع الحد الأدنى للأجور والحد الأدنى للرواتب التقاعدية


ان بقاء الحد الأدنى للأجور دون معدل الفقر للأسر المعيارية من شأنه تضييق موارد الصندوق الأساسية وان رفعه سينعكس بشكل أساسي على زيادة اشتراكات العاملين وأصحاب العمل وبالتالي تدفق مالي أكثر للصندوق.

من جانب آخر من غير المقبول أن يكون هناك رواتب تقاعدية تقل عن الحد الأدنى للأجور، مما ينعكس على الصورة العامة للضمان الاجتماعي وتعزيز فكرة "عدم جدوى" الاشتراك في الضمان الاجتماعي وخاصة الاشتراك الاختياري، ويوجه هؤلاء العمال على التفكير بحلول اقتصادية أخرى اكثر استدامة بالنسبة لهم وتدر عليهم مردوداً أعلى كتأجير العقار أو شراء تكسي أو أي نشاط يؤمن لهم دخلاً مستداماً أعلى من الرواتب التقاعدية المتدنية التي يمكن أن يتحصلوا عليها من الضمان الاجتماعي بعد اشتراك لسنوات طويلة.


تعديلات تشريعية مهمة


يتم الترويج حالياً للحوار الوطني الذي يسبق تعديلات تشريعية تتعلق بقانون الضمان الاجتماعي والذي من المتوقع أن تتوافق هذه التعديلات مع تصريحات صندوق النقد الدولي بضرورة "اصلاح" نظام التقاعد المبكر وتمديد سن تقاعد الشيخوخة، حيث يمكن ترجمة كلمة "اصلاح" بتوصيات النقد الدولي عادة بمزيد من التعقيد أو تقليص المنافع أو الغاؤها.

ان اصلاحاً تشريعياً يتعلق بالتقاعد المبكر هو أمر لازم ولكني أراه في منطقة أخرى تماماً، حيث يجب تعديل نظام التقاعد والموارد البشرية للقطاع العام بالغاء وجوب انهاء خدمات موظفي القطاع العام من أتم 30 سنة مما يوقف أحد أكثر أسباب ارتفاع فاتورة التقاعد المبكر، كون أكثر من 60% من متقاعدي الضمان في العام 2023 كانوا من القطاع العام.

أما القطاع الخاص فيجب أن يتم التعديل على المادة 23 من قانون العمل وتقييد أصحاب العمل من انهاء خدمات العمال ذوي العقود غير منتهية المدة، مما يبعث مزيداً من الاستقرار الوظيفي ويوقف النزيف المستمر في فاتورة التقاعد المبكر.


كما يجب أن تشتمل التعديلات على التراجع عن بعض تعديلات 2023 التي أسهمت في استنزاف أموال الضمان مثل اعفاء أصحاب العمل من شمول من هم دون 30 عاماً في بعض الحمايات، وربط دفع الحكومة لاشتراكات العسكريين بمعدل النمو.


الحوار الاجتماعي 


أحسنت الحكومة - على غير العادة - باطلاق حوار اجتماعي ينتج عنه مشروع قانون معدل لقانون الضمان الاجتماعي؛ حيث جرت العادة أن تنفرد الحكومة بصياغة المشرو ع المعدل دون حوار حقيقي، وأتمنى أن يكون هذا تغييراً في النهج العام وسنة حسنة تسبق أي مشروع معدل لأي قانون.

ولكن حذار من توجيه هذا الحوار ودفعه باتجاه تبني تعديلات "قاسية" وتراجعية تتعلق بالحمايات الاجتماعية ووضع لجنة الحوار في مواجهة الاعتراض الشعبي على هذه التعديلات.

أعتقد أن الحوار الوطني المزمع عقده هو فرصة سانحة لفتح كافة الملفات والحديث عن اصلاحات حقيقية تمس مؤسسة الضمان الاجتماعي وتحقق الاستدامة المالية وتحافظ على بل وتوسع الحمايات الاجتماعية للعمال.




Post a Comment

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020