-->
recent

أحدث القضايا العمالية

recent
جاري التحميل ...

النقابات العمالية وتجديد الخطاب النقابي

الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش

في كل مرة أود الحديث فيها عن النقابات العمالية والعمال يتبادر الى ذهني جدلية ( البيضة والدجاجة ) ، وأجد من المهم بمكان التذكير دائماً أن النقابات فعلاً هي الصرح الشامخ السد المنيع الذي يحمي العمال - أو هكذا يفترض - ولكن النقطة الأساسية أن العمال كانوا هناك أولاً وبسبب حاجتهم لهذا الصرح والمظلة الحامية لهم قاموا بتأسيس النقابات العمالية فلا يجوز بحال أن تتعامل بعض النقابات العمالية مع العمال على أنهم حمولة زائدة أو عبء ثقيل لطالما تذمرت من وجوده!!!
ان التضحيات الكبيرة للعمال وساعات الخوف من صاحب العمل والتواصل السري مع العمال من قبل النشطاء لاقناعهم بفكرة العمل النقابي ابتداءاً ولتنظيم بعض الفعاليات النقابية الاحتجاجية العشوائية -في ذلك الزمن- وبعد مئات المحاولات وآلاف التضحيات كانت النقابات العمالية ؛ التي يجب على أن لا تخفت الروح النضالية للعمال في الحفاظ على وجودها وتحسين أدائها والذود عنها.

* أمنيات الأمس عبء اليوم
لك أن تتخيل شح الأدوات النقابية والوسائل العمالية التي كانت متاحة منذ انطلاق الحركة العمالية ، فتخيل كم هو الجهد المبذول من أحد النشطاء العماليين للوصول للعمال بعيداً عن أعين أصحاب العمل وجواسيسهم لاقناعهم بالعمل النقابي ، فبمجرد أن يحظى هذا الناشط العمالي على ساعة واحدة للحديث مع مجموعة من العمال كان يستغرق ذلك ساعات طويلة من التحضير والتنسيق والتواري عن الأنظار وربما يخفق في المرة الأولى ويحتاج الى اعادة الكرة مرة ومرة ومرة.
لو جيئ بهذا الناشط النقابي واخبرناه بوسائل التواصل الاجتماعي المتاحة اليوم للنشطاء النقابيون لاغرورقت عيناه من الفرحة ولاعتبر أنه لو أتيح لهم النزر اليسير من هذه الوسائل لكانوا جابوا البلاد كلها ونظموا جميع العمال تحت مظلة النقابات العمالية.

على مدار مسيرة الحركة النقابية لسنوات طويلة منذ الثورة الصناعية والتطور المطرد لوسائل التواصل استطاعت النقابات استثمار هذه الوسائل - أو بعضها - لزيادة فاعلية عملهم .
أما اليوم وفي ظل التطور المتسارع للتكنولوجيا نجد أنها لم تنعكس على أداء العديد من النقابات العمالية - أو الغالبية الساحقة منها- ولم تنجح هذه النقابات من استثمار هذه الأدوات وبقيت تحافظ على الأدوات القديمة ربما لاعتبارها تراثاً نقابياً لا يجب التفريط به!!
في ظل الايميل والهواتف الخلوية وتطبيقات التواصل الاجتماعي تجد أن من العبث أن تبقى الأنظمة الداخلية للنقابات تتحدث عن لوحات الحائط كوسيلة اعلام العمال بالتعميمات النقابية والفعاليات العمالية!!، وفي ظل تغير أشكال العمل وتحولها الى العمل عن بعد والعمل المرن نجد أن من السخافة الحديث عن وجوب تعبئة قسيمة ورقية للانتساب للنقابة العمالية!!
ان اصرار النقابيون على التشبث بالأدوات القديمة البالية ورفضهم التعاطي مع الأدوات التكنولوجية الحديثة بل واعتبارها من قبل بعض القيادات النقابية أنها تشكل خطراً على الأمن المجتمعي والجسم النقابي!! قد يكون ناجم عن :

1-  وجود بعض القيادات النقابية مرهون ببقاء الوسائل القديمة؛ فعندما تعلم أن العديد من دعوات اجتماع الهيئات العامة أو الاجتماعات الطارئة أو بعض الاستحقاقات النقابية التي لا يراد للعمال حضورها ، نجد أنه يتم الاعلان عنها في لوحة الاعلانات الموجودة في النقابات التي لا يدخلها العمال أصلاً، فهم بالتشبث بهذه الوسيلة مثلاً يضمنون بقاء النشطاء النقابيون المعارضون والعمال أيضاً بعيداً عن أي فعالية نقابية أو استحقاق نقابي.
2- معظم القيادات النقابية العمالية هم من الطاعنون في السن والمتقاعدون الذين يوجد بينهم وبين الوسائل التكنولوجية فجوة كبيرة بسبب عدم اتقان هذه الوسائل، ولأن الانسان بطبعه يخشى التغيير المجهول، فكيف نطلب من هؤلاء الطاعنون في السن عمل ثورة تكنولوجية في الوسائل النقابية وهم يرونها على أنها شيء مجهول ومخيف ويشكل خطراً وجودياً بالنسبة لهم، مع التأكيد أن السن لا يجب أن يكون حاجزاً للتطوير والتحديث فكم من كبير في السن يمتلك روحاً نشطة وهمة متوقدة وكم من شاب صغير في السن اكتهل في شبابه.
3- العديد من القيادات النقابية تؤمن بقاعدة " سكّن تسلم " بمعنى أنك ان بقيت تعمل في الخفاء وبعيداً عن الأضواء ستكون أخطاؤك أقل من أن يتم ملاحظتها وستتمكن من تمرير ما ترغب بتمريره دون بروز أصوات تعارض وتعكر عليك صفو السكون المريح.
4- ان التطوير والتحديث بالأدوات - عادة - مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشباب ، فلا تطوير أدوات نقابية وتجديد للخطاب النقابي بنفس العقلية القديمة وبدون ضخ دماء نقابية شبابية تتقن التخطاب مع العمال الذين هم غالبيتهم من الشباب، وهذا قد يعد بطريقة ما سحباً للبساط من تحت أرجل بعض القيادات النقابية الديناصورية!!
5- تفعيل التطور التكنولوجي قد يؤثر على منافع القيادات النقابية، اذا ما علمنا أن بعض النقابات لتقوم باصدار بيان أو خطاب نقابي مكون من صفحة واحدة تضطر الى انفاق مئات الدنانير بدل حضور اجتماع وبدل مواصلات وربما مبيت للبعض الذي يقطن في أماكن نائية فقط للحضور الى مبنى النقابة والموافقة على بيان تم اعداده مسبقاً - على الأغلب-، وعلى ذلك قِس.

تجديد الخطاب لا يعني التفريط بالثوابت النقابية
قد يفهم من الدعوة الى تجديد الخطاب النقابي هو انحراف النقابات العمالية عن الهدف التي تأسست من أجله فقد تخشى بعض القيادات النقابية من تحول النقابات الى مؤسسة اعلامية تنتج بعض مقاطع الفيديو او تدير بعض مواقع التواصل الاجتماعي او غيره ، وهذا ما يجب الانتباه اليه بالفعل؛ فلا يجب أن تنجرف النقابات العمالية وتتماهى مع هذه الوسائل لتتحول الوسائل الى أهداف فبدلاً من استخدام بعض مقاطع الفيديو القصيرة أو بعض مواقع التواصل الاجتماعي او التطبقات الذكية كوسائل لتسهيل الوصول للعمال وايصال الصوت والوجع النقابي للمجتمع مثلاً؛ يخشى أن تتحول بعد فترة الى أن جل ما تقوم به هذه النقابات هو العمل على مواقع التواصل الاجتماعي بدون أي أثر على الأرض ويختفي أي شيء يتعلق بالنضال النقابي، فالأمر هو سلاح ذو حدين يجب أن يتم اتقان استخدامه وتوظيفه لا أن يتحول الى كونه الوظيفة الاساسية.

النقابات والاعلاموفوبيا
لا يجد بعض القيادات النقابية غضاضة من الاعتراف ان النقابات  العمالية تخشى من التعامل مع وسائل الاعلام!! بل قد يتباكى كون بعض وسائل الاعلام تشن عليهم هجوماً بين الفينة والأخرى مما شكل ما يمكن ان يطلق عليه اعلاموفوبيا لدى القيادات النقابية وبدل أن يولد لديهم ردة فعل ايجابية من ضرورة مواجهة هذه الفوبيا واعتماد التربية الاعلامية كمتطلب نقابي للقيادات والقواعد النقابية ، تجد أن ردة الفعل كانت هي مزيداً من الانكفاء والانطواء على الذات والعودة الى العمل في الظلام!!
يكاد لا يقبل ولا يصدق أن تكون النقابات العمالية ليس لديها جهاز اعلامي أو لجان اعلامية أو حتى خطة اعلامية ، ويكاد يكون أقصى تعامل لهذه النقابات مع الاعلام هو تزويدهم ببيان نقابي لاغراض النشر!!
ان أحد أهم طرق علاج الفوبيا - أي فوبيا - هي مواجهته، وهذا ما يجب أن تباشر به النقابات العمالية من دخول عالم الاعلام واتقان فنونه واعداد أفرادها للتعاطي معه وبناء التشبيك الفعال مع الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية لبناء شراكة لا ترتبط بنشر بيان أو تغطية فعالية فقط ، بل المطلوب علاقة مستدامة ثابتة راسخة .

الاعلام الداخلي لا يقل أهمية عن الاعلام الخارجي
اذا اتفقنا ان النقابات العمالية مقصرة ومقصرة جداً فيما يتعلق بالاعلام وتوصيل رسالتها للمجتمع وابراز نشاطاتها وعكس شفافيتها وممارساتها الديمقراطية - ان وجدت - وقد عزينا ذلك الى أسباب عديدة مما ولد ما أطلقنا عليه مجازاً " الاعلاموفوبيا " ؛ فإن هذه النقابات أيضاً قد تقطعت بها السبل عن التواصل مع العمال وجففت منابع المعلومات عن العمال فأصبحت العلاقة بينهما كأرض الصحراء الجرداء التي باعدت شقوق الجفاف بينها وقسمتها الى أجزاء كثيرة متباعدة بعدما كانت أرضاً واحدة متصلة متوحدة تسقى بماء الود وتروى بعرق النضال النقابي.
ان دخول القيادات النقابية الى "قصورهم" النقابية واغلاق الأبواب خلفهم حطم جميع الجسور الواصلة بينهم وبين العمال فأصبح بعض النشطاء العماليين يتابعون أخبار نقابتهم مما قد يتسرب من هذه الأخبار عن طريق وسائل الاعلام الخارجية، وان الحاجة الكبيرة اليوم الى تجديد الخطاب النقابي مع هؤلاء العمال فلا يجوز اعتماد تعليق الاعلانات النقابية على جدران النقابة الداخلية - المغلقة أصلاً- للتواصل مع العمال ، ولا يقبل من أي نقابة عمالية أن لا يكون لها خطة تعمل وفقها ويكون من أهم أبرز بنودها هو الانتساب النقابي للعمال بحيث توظف لذلك جميع الوسائل المتاحة للتواصل مع العمال وتوسيع القاعدة العمالية بزيادة الانتساب؛ ولعلنا في الأردن وبسبب غياب التعدد النقابي واعتماد القوة النسبية للنقابات للحصول على حق المفاوضة الجماعية فإن هذا الأمر يجعل القيادات النقابية تركن وتفضل الى عدم زيادة الانتساب، فما هي الحاجة لزيادة الانتساب اذا كان حق المفاوضة الجماعية محصور -وفق القانون- بالنقابات العمالية العامة ولا يتاح لأي جهة نقابية عمالية أخرى المنافسة أو ممارسة هذا الحق اطلاقاً مما يجعل أمر زيادة الانتساب يتحول من عنصر قوة للنقابات الى عبء زائد وفتح أبواب مغلقة لا تفضله بعض القيادات النقابية بل تفضل التعامل مع حدد محدود من العمال لتمرير ما تود بسهولة وهدوء.

الأنظمة الداخلية عائق أم مبرر؟
ان ما نتحدث عنه هنا لا يقتصر فقط بموضوع تجديد الخطاب النقابي كخطاب، بل المطلوب أوسع وأشمل من ذلك بحيث يتم تطوير الأساليب والأطر للتواصل النقابي بين النقابيين أنفسهم وطريقة عقد الاجتماعات النقابية وتطوير طريقة التصويت على القرارات بحيث يكون التطوير والتحديث في الآليات والوسائل النقابية غير مخالف للأنظمة الداخلية؛ مما يعني أن الخطوة الأولى لابداء حسن النية في تطوير الأدوت النقابية والخطاب النقابي هو الشروع بتعديل الأنظمة الداخلية لهذه النقابات لتكون أكثر مرونة لاستيعاب الوسائل الحديثة لعقد الاجتماعات واتخاذ القرارات وتحصيل رسوم الانتساب واعتماد انتساب العمال الجدد وتوسيع مظلة المفاوضة الجماعية .. الخ.
أما اذا بقيت النقابات العمالية ثابتة مكانها لا تغير ساكناً وتبررعدم التطوير والتحديث لتعارض ذلك مع الأنظمة الداخلية للنقابات؛ فهذا يعني -بالضرورة- أنها لا تمتلك النية الحقيقة للتطوير والتحديث وتستخدم هذه الأنظمة كحجة وجداراً عازلاً بينها وبين أي تطوير الأدوات وتجديد الخطاب النقابي.

اقرأ أيضاً:

النقابات العمالية وقوة العمال

نقابات عمالية كرتونية ، مالحل؟ .. الانسحاب أم الانتساب؟

النقابات العمالية بعد كورونا .. هل تستوعب الدرس أم سيفوتها القطار

في ظل الصخب والجلبة والمعاناة العمالية بسبب كورونا .. أين ممثلو العمال!!!


الوقاع النقابي في الأردن .. واقع وأمنيات

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020