recent

أحدث القضايا العمالية

recent
جاري التحميل ...

الوصفة القرآنية لحفظ حقوق العمال في عقود العمل

الوصفة القرآنية لحفظ حقوق العمال في عقود العمل


حاتم قطيش - "رنان" 

4/4/2022

ان الحالة المتردية للعمال والضعف المستشري في الحركة العمالية أمام نفوذ وسلطة وقوة أصحاب العمل شكلت فيما مضى - ولا تزال - حافزاً عند بعض أصحاب العمل لاستخدام نفوذهم وقوتهم للتعدي على الحقوق الانسانية والعمالية؛ الأمر الذي أدى الى انطلاق الثورة الصناعية التي تعتبر انتفاضة الضعفاء في وجه جبروت المال والنفوذ فكانت النقابات العمالية.
لاشك أن سلب العمال حقوقهم من خلال تدني الأجور وغياب الحمايات الاجتماعية وعدم توفير بيئة عمل لائقة وتفشي العمل الجبري بالاضافة الى محاولة تكبيلهم من خلال مصادرة حقهم في التكوين النقابي، كلها ممارسات بشعة ومرفوضة ولكنها تمارس في كثير من الأحيان بعد الباسها قناعاً تجميلياً اسمه عقود العمل بحيث يحاول بعض أصحاب العمل قوننة الانتهاكات العمالية عن طريق عقود اذعان مستغلين حالة الضعف والعوز التي يعيشها العمال لقبولهم بأجور ضعيفة والعمل ضمن ظروف غير لائقة.

فلسفة النقابات العمالية والاتفاقيات الدولية


اختلال موازين القوى أدى الى اتساع رقعة الانتهاكات العمالية وتراجع الحريات والحقوق الانسانية لدى العمال، فكان البحث عن وسائل لخلق حالة من التوازن وابراز قوة تضاهي قوة رأس المال بحيث يمكن للعمال من خلالها رفض عقود الاذعان بل والوصول على حالة تمكّن العمال من وضع شروطهم الخاصة في عقود العمل.
لا شك أن وجود الاتفاقيات الدولية والنقابات العمالية القوية تساهم في تحقيق هذه الغاية ولو جزئياً وتسعى الى خلق حالة من التوازن في موازين القوى بين قوة ونفوذ أصحاب العمل وقوة العمال للوصول الى عقود عمل متوازنة.
ان وضع الدساتير والقوانين والاتفاقيات التي تعزز الحريات وتمنح الحقوق وتسعى الى كبح جماح تغول رأس المال، لا شك أنها ساهمت بشكل كبير في تحسن بيئة العمل وساهمت في ظهور التكوينات النقابية العمالية ووفرت لها وسائل قوة تساعدها في خلق حالة التوازن المقصودة، ولكن يبقى الصراع والاشتباك قائماً تارة بسبب عدم كفاية هذه التشريعات وتارة بسبب عدم وجود إرادة حقيقية لدى أصحاب العمل لانصاف عمالهم وتارة أخرى بسبب ضعف النقابات العمالية وتفريغها من قوة العمال.


كيف حفظ القرآن للعمال حقوقهم في عقود العمل 


اذا ما اتفقنا أن ممارسة الانتهاكات بحق العمال بشكل مقونن يكون عن طريق عقود العمل، واذا ما اتفقنا أيضاً أن غالبية هذه الانتهاكات تأتي من خلال عقود إذعان يضطر فيها العمال الى قبول الأجور المتدنية والعمل في بيئة عمل غير لائقة خالية من الحمايات الاجتماعية؛ كان لا بد من إعادة النظر في طريقة صياغة هذه العقود وضمان موافقة العامل على هذه العقود بكامل إرادته وحريته ومنح الطرف الضعيف "العمال" حق إملاء شروط عقود العمل.
 أشار الشهيد عبد القادر عودة في كتابه "كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي" الى حق العمال في املاء شروط عقود العمل بقوله : " هذا الحق الذي حقق القانون الوضعي بعضه ولم يحقق بعضه الآخر والذي يأمل العمال أن يتحقق كله إن قريباً أو بعيداً، هذا الحق قررته الشريعة الإسلامية كاملاً للضعفاء على الأقوياء وللملتزمين على الملتزم لهم وجاء به القرآن في آية الدين: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} "، ويضيف عودة أن وجود هذا النص في الشريعة دليل بذاته على سموَّها وكمالها ورقيها وعدالتها، فقد جاءت به منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، بينما القوانين الوضعية لم تصل إلى تقرير مثله حتى الآن مع ما يدعي لها من الرقي والسمو.


حق العمال في إملاء العقد مشروط


المقصد الأساسي في إقرار حق العمال في املاء شروط عقود العمل كان بهدف ضمان الخروج من عقود الإذعان وتمكين الطرف الأضعف وخلق حالة توازن ولكن الآية الكريمة  لم تكتفي بإقرار حق العمال بوضع شروط عقود العمل " وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ " بل اتبعتها باشتراط تقوى الله " وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ " وعدم التلاعب في الصياغة " وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ".
الاضرابات العمالية هي أحد وسائل الضغط التي يمارسها العمال من أجل تحصيل حقوقهم أو اجبار أصحاب العمل على الجلوس الى طاولة المفاوضات والتي من المفترض أن تفضي بالنهاية الى ابرام عقود عمل جماعية، وكما أننا نطالب أصحاب العمل أن يكونوا منصفين ولا يستغلوا قوة نفوذهم في ابرام عقود اذعان، فإن العدل والانصاف أيضاً تقتضيان أن يتم مطالبة الطرف الآخر بالعدل وتقوى الله وعدم استغلال الاضراب من أجل الاضرار بأصحاب العمل، فالمقصد كان منذ البداية خلق حالة من التوازن وهذا يعني بالضرورة رفض أي شكل من التغول من أي طرف كان.

القرآن الكريم في نظرته الشمولية يعالج الانتهاكات التي قد تحصل بحق العمال من خلال عقود الإذعان عن طريق القوانين بمنح العمال حق املاء شروط العقد، كما أنه يعالج هذه الانتهاكات بإقرار الرقابة الذاتية عند إبرام العقود من خلال انتهاج "العدل" والانصاف ومنح كل ذي حق حقه بلا " ضرر ولا ضرار ".




إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020