recent

أحدث القضايا العمالية

recent
جاري التحميل ...

مواكبة النقابات العمالية للواقع وجاهزيتها للمستقبل

مواكبة النقابات العمالية للواقع وجاهزيتها للمستقبل


موقع "رنان" - حاتم قطيش

5/7/2022

 بمجرد الحديث عن النقابات العمالية فإن فلاشات سريعة تمر بالذهن لعمال معتصمين وقائد نقابي فذ وهتاف عالٍ ويافطات وأعلام واحتفالات العمال بتوقيع عقود العمل بعد معركة تفاوضية صعبة وتضامن نقابي وعمال يعملون كخلية نحل في مبنى النقابة يجهزون لوقفة أو اعتصام أو اضراب .. هذه هي الصورة النمطية المخزنة في أفئدة وعقول النقابيين الشرفاء.

في عالم موازٍ آخر ينظر البعض للنقابات العمالية على أنها بوفيه مفتوح في فندق خمس نجوم ومفاوضة على انتزاع كرسي بجانب شباك الطائرة وانتقاء رحلة نقابية الى أحد البلدان التي لم يزرها بعد وقادة نقابيون متكؤون على عكاز ويحملون أدوية النقرس والسكري وباقي أمراض الهرم.

ان الحالة العامة للنقابات العمالية في العالم كله ليست على ما يرام، ولكنها في الأردن - للأسف - وصلت لمراحل مؤسفة من الضعف والانسلاخ عن الواقع ويصفها البعض على أنها نقابات كرتونية على اعتبار أنها كيانات وأبنية فارغة من النشاطات و الحراكات النقابية والكفاءات العمالية.


تشريعات قاصرة ومنحازة 


لا بد للتشريعات - أية تشريعات - أن تكون نتيجة حوار اجتماعي بين الأطراف ذوي العلاقة وتنسجم بالوقت ذاته مع التشريعات الدولية ويكون من أهدافها تنظيم ممارسة العمال لحقوقهم ولا يجوز بحال أن تتوسع هذه التشريعات بوضع العقبات أمام ممارسة العمال لحقوقهم وتؤثر على جوهر هذه الحقوق.

ان نظرة سريعة على التشريعات الناظمة لسوق العمل كقانون العمل نجد أن هذه القوانين جاءت بغير طريق الحوار، وفي كثير من الأحيان غياب كامل للكيانات و التنظيمات العمالية والحقوقية مما أنتج تشريعات تميل باتجاه أصحاب العمل وتكبل أيدي العمال والنقابات وتتعدى على حقوقهم وحرياتهم، فمن غير المقبول اليوم أن تضع هذه التشريعات قيوداً أمام حرية العمال بانشاء النقابات العمالية وتصادر حقها في وضع دساتير نقاباتها وتحرم شريحة من العمال الحق في المفاوضة الجماعية وفتح النزاعات العمالية وابرام عقود العمل الجماعية!!، ولا يجوز بحال توسيع صلاحيات الوزير بحل الهيئات الادارية للنقابات العمالية بقرار وتغييب دور القضاء في هذا الأمر ، ناهيك عن قرار التصنيف المهني واشتراط موافقة وزارة العمل على الأنظمة الداخلية للنقابات لتدخل حيز النفاذ .. والعديد العديد من التشوهات التي تتعارض مع جوهر الحريات والحقوق العمالية والنقابية.


أما فيما يتعلق بالأنظمة الداخلية للنقابات فمعظم التشوهات التي يعترض عليها النقابيون والعمال في هذه الأنظمة والدساتير مشابهة بشكل كبير للتشوهات في قانون العمل ولا تدفع باتجاه تمكين المرأة والشباب؛ ابتداءاً من عدم تمكن العمال من ممارسة حقهم في صياغة وتعديل هذه الأنظمة التي لا تمر من طريق الحوار الاجتماعي داخل النقابات بل تأتي بطريقة الاسقاط من قبل الاتحاد على النقابات التي لا تملك الحق في وضع أنظمتها الداخلية بل لا تملك الحرية والحق في اتخاذ قرار انضمامها للاتحاد العام ابتداءاً !!

ان المتتبع لتعديلات قانون العمل عام 2019 وتعديلات الأنظمة الداخلية للنقابات عام 2020 ليدرك أنها خرجت من مشكاة واحدة، ففي الوقت الذي يشترط قانون العمل موافقة ومصادقة وزارة العمل على الأنظمة الداخلية للنقابات لتدخل حيز النفاذ؛ فإن الأنظمة الداخلية للنقابات تشترط موافقة ومصادقة الاتحاد العام على أي نظام تضعه النقابات لتنظيم أعمال لجانها النقابية الداخلية !!

للاطلاع على أبرز التعديلات التي تمت على الأنظمة الداخلية للاتحاد العام والنقابات العمالية في العام 2020 ادخل الرابط التالي هنا و هنا


اهدار لقوة العمال وغياب التثقيف النقابي 


ان اتساع الهوّة بين القيادات النقابية والعمال وتغييب الحوار الاجتماعي وعدم تمكن العمال من وضع دساتير نقاباتهم أو اختيار ممثليهم من خلال صناديق الاقتراع بحرية لتبقى القيادات التاريخية للنقابات العمالية والاتحاد العام شبه ثابتة لا تتغير ويتم التجديد لها دورة بعد دورة عن طريق التزكية وعلى مدار عشرات السنوات، ناهيك عن سياسة تكميم الأفواه لمن يتجرأ ويعترض على هذه السياسات .. كل هذا من شأنه أن يشيع حالة من الإحباط وعدم الثقة بل وتزعزع الايمان بجدوى النقابات العمالية والعمل النقابي بشكل عام.

في الوقت الذي يعتبر زيادة الانتساب للنقابات العمالية هو التحدي الأكبر لأداء النقابيين على مستوى العالم فنجد التنافس الشديد في تحصيل الحقوق العمالية وتقديم الخدمات ووضع الخطط والبرامج لاستقطاب العمال لهذه النقابات؛ نجد أن هجرة معاكسة للعمال تتمثل بالانسحاب من النقابات العمالية وابتعاد وابعاد للكفاءات العمالية وفي ذلك اهدار لقوة العمال التي يجب استثمارها وتوجيهها لا تهجيرها واقصاؤها.


تهميش حكومي وتواطؤ المنظمات الدولية 


النقابات العمالية باعتبارها أقوى التنظيمات المجتمعية يجب أن تحظى باهتمام حكومي خاص ويجب أن يتم التعامل مع رأي هذه النقابات بقدر عالٍ من الاهتمام لا سيما فيما يتعلق بسن وتعديل التشريعات التي تمس العمال والحركة العمالية والنقابية؛ الا ان المتتبع لتعامل الحكومة مع النقابات ليجد عكس ذلك، فعلى سبيل المثال عندما قررت حكومة الرزاز فتح حوار موسع لجميع أطياف المجتمع الأردني بخصوص ضريبة الدخل التي اطاحت بحكومة الملقي ، تم توجيه الدعوة للجميع باستثناء النقابات العمالية!! وعندما تم فتح قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي للتعديل في العام 2019 تم اجراء عدة جلسات حوار في مجلس النواب والأعيان وكان من الملاحظ غياب النقابات العمالية عن هذه الحوارات؛ وقد أصدر الاتحاد العام بياناً يستنكر فيه هذ التهميش في حينه، ومؤخراً وعند تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية شارك الجميع ومن جميع الأطياف والاتجاهات والحراكات والتنظيمات المجتمعية بينما غابت النقابات العمالية!!، ولعل ممارسة الحكومة أثناء جائحة كورونا فيما يتعلق بأوامر الدفاع وخاصة تلك المتعلقة بالعمال كانت الصفة الغالبة لهذه الأوامر أنها أحادية المصدر حيث قامت باصدارها الحكومة بعد حوار مع نفسها واقتصر دور الجميع بمن فيهم النقابات العمالية على التعليق على هذه الأوامر بعد صدورها!!

أما فيما يتعلق بالمنظات الدولية فإن جُل هذه المنظمات ترفع شعار تمكين العمال وتدعي السعي نحو تحقيق حرية التنظيم النقابي وتمكين المرأة والشباب، ولكن الواقع يتحدث بغير ذلك، فبعد سنوات طويلة من عمل هذه المنظمات الدولية في الأردن نجد أن منحنى الحريات النقابية والأداء للنقابات العمالية هو بانحدار مما يؤكد بشكل لا يحتاج أدنى درجات الذكاء والفطنة أن معظم برامج هذه المنظمات لم تؤتي أكلها بل هي قد زادت الطين بلة، فما كانت عليه النقابات العمالية قبل دخول هذه المنظمات كان أفضل بكثير مما عليه اليوم وبعد اهدار مئات الآلاف - ربما الملايين - من الأموال وتنفيذ المئات من البرامج والشراكات.

ان المنظمات الدولية اليوم معنية بالتوقف عن الاصرار على تقديم نفس المدخلات والرؤى والشراكات وتوقع نتائج مختلفة ولا بد لها أن تدرك أن سياستها لا تدفع باتجاه تمكين العمال - ان كانت جادة بذلك - بل يجب عليها البحث عن أساليب وأدوات وبرامج جديدة بثوب جديد ورؤى جديدة لتمكين العمال ، وقبل ذلك كله يجب عليها فهم حقيقة أنه لا يجوز حصرالتنظيمات النقابية بشخوص القيادات فقط فالنقابات لها هيئات عامة ولجان نقابية ونشطاء نقابيين وان تقبل اقصاء أي منهم يعتبر تقويضاً لمساعي تمكين النقابات العمالية، وعند الرغبة في تقييم ما تم انجازه من مشاريع لا يكفي التواصل مع القيادات النقابية بل يجب توسيع الحوار بهدف الوصول للعمال البسطاء وادراك مدى انتفاعهم من برامج التمكين.


مستقبل النقابات العمالية 


العالم منشغل اليوم بما يسمى "مستقبل العمل" وقد برزت أهمية الحديث عن هذا المستقبل والاستعداد له بعد جائحة كورونا، حيث من أبرز معالم مستقبل العمل هو اختفاء أشكال عمل حالية واستحداث أشكال عمل أخرى مما يتطلب السعي الجاد والتجهز التام للانتقال الآمن نحو الأشكال الجديدة لمستقبل العمل.

بالتوازي مع الحديث عن مستقبل العمل يتوجب أيضاً الحديث عن مستقبل النقابات العمالية والبحث عن أدوات نقابية جديدة كون الأدوات النقابية الحالية لا بد لها أن تختفي وان لم تجهز النقابات كوادرها للانتقال الآمن لمستقبل النقابات العمالية فإن مزيداً من التقهقر والتراجع وربما الاختفاء سيكون مصير هذه النقابات فالطبيعة لا تقبل الفراغ وقطار المستقبل لا ينتظر أحداً، لا سيما في ظل الحديث عن أشكال جديدة لمستقبل العمل كالعمل عن بعد والمنصات الالكترونية وغيرها من الأشكال الحديثة التي تتطلب شكلاً ونمطاً جديداً للتنظيم النقابي.

ان أهم ما يجب التركيز عليه للاستعداد لمستقبل النقابات العمالية هو تحديث وتطوير الدساتير والأنظمة الداخلية للنقابات العمالية، فلا يعقل أن يمارس العمال أعمالهم عن بعد من خلال الانترنت ثم ان رغب أحدهم في الانتساب لنقابة عمالية نشترط عليه الحضور الوجاهي لدار النقابة وتوقيع أوراق الانتساب ثم لا بد له من متابعة الصحف الورقية ومجلة الحائط في النقابة ان هو أراد ممارسة حقه في الترشح للانتخابات أو الاطلاع على تفاصيلها !!!!

وبمجرد الحديث عن المستقبل وتجديد الأدوات؛ فإنه ومن باب أولى أن يتم الدفع باتجاه تمكين الشباب والمرأة من تقلد المناصب القيادية في النقابات العمالية فلا يعقل اشتراط عمر 23 عاماً للترشح لعضوية الهيئات الادارية ثم اشتراط أن يكون قد أمضى العامل خمس سنوات على الأقل رئيساً لنقابة عمالية حتى يتمكن من الترشح لمنصب رئيس الاتحاد أو نائبه!!، ولا يجوز بحال أن تبقى القيادات النقابية على رأس الهرم النقابي لمدد غير محددة إذ لا بد من تحديد السقف الزمني للدورة النقابية التي يمكن للشخص أن يشغلها كرئيس نقابة وذلك لاتاحة المجال لتجديد الدماء وتحديث الخبرات والأدوات الملائمة لمستقبل العمل ومستقبل النقابات العمالية.

وعلى صعيد آخر لا بد من اذكاء جذوة الروح النضالية النقابية لدى العمال ونزع لباس السلبية عنهم وتغيير الصورة النمطية المشوهة لدى العمال عن العمل النقابي وارتباطه الوثيق بالفنادق والرحلات والمطارات وترف العيش، بل لا بد من ادراك أن النضال يعني التعب والمشقة والخروج الى الشارع والتعرض للضغوطات والمضايقات والتهديدات، كما يجب الرجوع الى القاعدة الأساسية في استرجاع الحقوق بالانتزاع وعدم قبول التهميش والاقصاء ، فالعمال بنضالهم وثورتهم ابان الثورة الصناعية هم من أوجدوا النقابات العمالية لتحميهم وتكون لهم الحصن المنيع، واليوم وبعد انحراف بوصلة العمل النقابي لا بد لسواعد نقابية عمالية نضالية صادقة تنتشل هذه النقابات من الواقع المؤلم وتؤمن له الانتقال الآمن للمستقبل.


اقرأ أيضاً:

الأتمتة وسوق العمل ودور النقابات العمالية

تغير المناخ وتأثيره على مستقبل العمل

العولمة كمحرك تغيير في مستقبل العمل

التغير المناخي ودور النقابات العمالية في التحول العادل لمستقبل العمل

التنمية المستدامة




إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020