أحمد عوض
28.07.2025
من وقت لآخر، تطل علينا الحكومة الأردنية، عبر مستوياتها المختلفة، بتصريحات وتسريبات تشير إلى وجود تحديات تهدد استدامة منظومة الضمان الاجتماعي، وتلمّح إلى ضرورة إدخال تعديلات على القانون الناظم لها. وغالباً ما تكون هذه التوجهات مدعومة بتوصيات صادرة عن صندوق النقد الدولي و/أو البنك الدولي.اضافة اعلان
لكن التجربة الأردنية في السنوات الأخيرة، أظهرت أن ما يُقدَّم تحت عنوان “الإصلاح” غالباً ما ينطوي على تقليص للمكتسبات الاجتماعية، وليس على توسيع الحماية أو تعزيز الشمول. فقد شهدنا قبل سنوات عدة محاولة حكومية لإجراء تعديلات على أكثر من ثلث مواد قانون الضمان الاجتماعي، كان معظمها يتجه لتقليص الحمايات، والسماح للحكومة بعدم دفع كامل التزاماتها للعاملين العسكريين، واشتراط ذلك بمعدلات النمو الاقتصادي تزيد على 5 بالمائة.
ورغم أن الضغوط المجتمعية والبرلمانية حالت دون تمرير بعض هذه التعديلات، إلا أن ما تم إقراره أضعف فعلياً من شمولية النظام وفاعليته. واليوم، مع تجدد الدعوات لإصلاح منظومة الضمان الاجتماعي لا بد من طرح السؤال الجوهري: أي إصلاح نريد؟ هل الهدف تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية أم خفض التكاليف على حساب الفئات العاملة؟
منظومة الضمان الاجتماعي ليست مجرد نظام تأميني تقني، بل هي أحد أعمدة الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في أي بلد. وفي الحالة الأردنية، يمثل الضمان أحد أهم منجزات الدولة خلال العقود الماضية، كونه يوفر الحماية من مخاطر الشيخوخة والمرض والإعاقة والبطالة وغيرها من التأمينات الاجتماعية، ويسهم في الحد من الفقر وتقليص الفجوة الاجتماعية.
كما أن تعزيز الضمان الاجتماعي لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية لتحقيق الأهداف المعلنة في رؤية التحديث الاقتصادي والاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية؛ حيث تضع هاتان الوثيقتان تعزيز الحماية الاجتماعية كأحد المحاور الرئيسة للإصلاح الاقتصادي. فلا يمكن الحديث عن بيئة استثمارية جذابة ومستقرة، أو عن زيادة الإنتاجية، من دون وجود نظام ضمان اجتماعي شامل وعادل ومستدام.
وبالمثل، فإن أي خطة إصلاح اقتصادي جادة لا يمكن أن تنجح من دون وجود مظلة حماية اجتماعية قوية تحمي الفئات المتضررة من التحولات الاقتصادية وتخفف من آثار الفقر والبطالة. فالضمان الاجتماعي ليس عبئاً على الاقتصاد، بل هو شرط أساسي لنجاحه واستدامته.
إذا كانت هناك ضرورة حقيقية لإصلاح قانون الضمان، فيجب أن تنطلق من قاعدة توسيع الشمول وليس تقييده. فاليوم، ما يقارب نصف القوى العاملة في الأردن غير مشمولة بالضمان الاجتماعي، وغالبيتهم يعملون في القطاع غير المنظم أو بشكل مستقل. ما نحتاجه هو أدوات اشتراك مرنة ومبسطة تستجيب لتنوع أنماط العمل الحديثة، مع دعم حكومي تشجيعي، لا إجراءات إقصائية تزيد من الهشاشة.
كما أن سياسة التوسع في التقاعد المبكر، خاصة القسري منها، أصبحت عبئاً على منظومة الضمان، وتهدد ديمومته. لا بد من وقف هذه السياسات، وخاصة في القطاع العام.
أما استثناء الشباب من بعض التأمينات، فهو خطأ جسيم يجب تصحيحه، لأنه ينسف مبدأ المساواة ويعرض أجيالاً مقبلة إلى ضعف في الحماية التقاعدية. وكذلك الحال علينا العودة عن ربط دفع التزامات الحكومة عن العاملين العسكريين بمعدلات النمو الاقتصادي، الإصلاح الحقيقي يجب أن يشمل جميع العاملين من دون تمييز، ويقدم حوافز تشغيل لا تمس بحقوقهم الأساسية.
إصلاح الضمان الاجتماعي في الأردن ليس مجرد إجراء فني عادي، بل هو قرار سياسي واقتصادي واجتماعي يؤثر في مستقبل ملايين الأردنيين. لذا، فإن التعديلات على هذا القانون يجب أن تبنى على مبادئ العدالة والتشاركية والاستدامة، لا على توجهات تقشفية تهدد بنية الحماية الاجتماعية وتقلص من مكتسبات العاملين.
علينا أن ندرك أن الضمان الاجتماعي هو استثمار طويل الأمد في استقرار المجتمع، وليس كلفة يجب تقليصها.
من وقت لآخر، تطل علينا الحكومة الأردنية، عبر مستوياتها المختلفة، بتصريحات وتسريبات تشير إلى وجود تحديات تهدد استدامة منظومة الضمان الاجتماعي، وتلمّح إلى ضرورة إدخال تعديلات على القانون الناظم لها. وغالباً ما تكون هذه التوجهات مدعومة بتوصيات صادرة عن صندوق النقد الدولي و/أو البنك الدولي.اضافة اعلان
لكن التجربة الأردنية في السنوات الأخيرة، أظهرت أن ما يُقدَّم تحت عنوان “الإصلاح” غالباً ما ينطوي على تقليص للمكتسبات الاجتماعية، وليس على توسيع الحماية أو تعزيز الشمول. فقد شهدنا قبل سنوات عدة محاولة حكومية لإجراء تعديلات على أكثر من ثلث مواد قانون الضمان الاجتماعي، كان معظمها يتجه لتقليص الحمايات، والسماح للحكومة بعدم دفع كامل التزاماتها للعاملين العسكريين، واشتراط ذلك بمعدلات النمو الاقتصادي تزيد على 5 بالمائة.
ورغم أن الضغوط المجتمعية والبرلمانية حالت دون تمرير بعض هذه التعديلات، إلا أن ما تم إقراره أضعف فعلياً من شمولية النظام وفاعليته. واليوم، مع تجدد الدعوات لإصلاح منظومة الضمان الاجتماعي لا بد من طرح السؤال الجوهري: أي إصلاح نريد؟ هل الهدف تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية أم خفض التكاليف على حساب الفئات العاملة؟
منظومة الضمان الاجتماعي ليست مجرد نظام تأميني تقني، بل هي أحد أعمدة الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في أي بلد. وفي الحالة الأردنية، يمثل الضمان أحد أهم منجزات الدولة خلال العقود الماضية، كونه يوفر الحماية من مخاطر الشيخوخة والمرض والإعاقة والبطالة وغيرها من التأمينات الاجتماعية، ويسهم في الحد من الفقر وتقليص الفجوة الاجتماعية.
كما أن تعزيز الضمان الاجتماعي لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية لتحقيق الأهداف المعلنة في رؤية التحديث الاقتصادي والاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية؛ حيث تضع هاتان الوثيقتان تعزيز الحماية الاجتماعية كأحد المحاور الرئيسة للإصلاح الاقتصادي. فلا يمكن الحديث عن بيئة استثمارية جذابة ومستقرة، أو عن زيادة الإنتاجية، من دون وجود نظام ضمان اجتماعي شامل وعادل ومستدام.
وبالمثل، فإن أي خطة إصلاح اقتصادي جادة لا يمكن أن تنجح من دون وجود مظلة حماية اجتماعية قوية تحمي الفئات المتضررة من التحولات الاقتصادية وتخفف من آثار الفقر والبطالة. فالضمان الاجتماعي ليس عبئاً على الاقتصاد، بل هو شرط أساسي لنجاحه واستدامته.
إذا كانت هناك ضرورة حقيقية لإصلاح قانون الضمان، فيجب أن تنطلق من قاعدة توسيع الشمول وليس تقييده. فاليوم، ما يقارب نصف القوى العاملة في الأردن غير مشمولة بالضمان الاجتماعي، وغالبيتهم يعملون في القطاع غير المنظم أو بشكل مستقل. ما نحتاجه هو أدوات اشتراك مرنة ومبسطة تستجيب لتنوع أنماط العمل الحديثة، مع دعم حكومي تشجيعي، لا إجراءات إقصائية تزيد من الهشاشة.
كما أن سياسة التوسع في التقاعد المبكر، خاصة القسري منها، أصبحت عبئاً على منظومة الضمان، وتهدد ديمومته. لا بد من وقف هذه السياسات، وخاصة في القطاع العام.
أما استثناء الشباب من بعض التأمينات، فهو خطأ جسيم يجب تصحيحه، لأنه ينسف مبدأ المساواة ويعرض أجيالاً مقبلة إلى ضعف في الحماية التقاعدية. وكذلك الحال علينا العودة عن ربط دفع التزامات الحكومة عن العاملين العسكريين بمعدلات النمو الاقتصادي، الإصلاح الحقيقي يجب أن يشمل جميع العاملين من دون تمييز، ويقدم حوافز تشغيل لا تمس بحقوقهم الأساسية.
إصلاح الضمان الاجتماعي في الأردن ليس مجرد إجراء فني عادي، بل هو قرار سياسي واقتصادي واجتماعي يؤثر في مستقبل ملايين الأردنيين. لذا، فإن التعديلات على هذا القانون يجب أن تبنى على مبادئ العدالة والتشاركية والاستدامة، لا على توجهات تقشفية تهدد بنية الحماية الاجتماعية وتقلص من مكتسبات العاملين.
علينا أن ندرك أن الضمان الاجتماعي هو استثمار طويل الأمد في استقرار المجتمع، وليس كلفة يجب تقليصها.
(جريدة الغد)
Post a Comment