3/8/2025
من المعروف أن هذه الأطراف الثلاثة هي من تسببت في زيادة أعداد التقاعد المبكر، حيث أن أكثر هذه التقاعدات المبكرة هي من القطاع العام، ومع ذلك هم أكثر من يصرخون حول الخطر الذي يسببه هذا الإرتفاع.
هذه الأطراف الثلاثة هي السبب الرئيسي في تفاقم مشكلة التقاعد المبكر.
• البنك الدولي يطالب بترشيق الجهاز الحكومي ويوصي بالتخلص من أكبر عدد ممكن من موظفي القطاع العام.
• والحكومات تنفذ ذلك بأعداد تتجاوز عشرات الآلاف من موظفيها والتي تشكل النسبة الأكبر من أعداد التقاعد المبكر.
• وحتى مؤسسة الضمان ساهمت في هذه الممارسة وتخلصت من عشرات من موظفيها بإحالتهم على التقاعد المبكر.
لذلك، أعتقد، فإن ما سينفذونه على أرض الواقع هو وضع عرقلات أمام الحصول على تقاعد مبكر لمن يتركون وظائفهم في القطاع الخاص، للمشتركين الجدد، لكنهم سيستمرون بممارسة إحالة موظفي القطاع العام على التقاعد المبكر لسنوات طويلة قد تصل ل( 10-20) سنة قادمة.
.......
فما هي مصلحتهم في ذلك؟
استولت الحكومة على جميع الأموال السائلة لدى صندوق استثمار أموال الضمان حيث بلغ اجمالي استدانة الحكومة حوالي 10 مليار دينار، بما يشكل 57% من أموال الضمان أما باقي هذه الأموال فهي مجمدة على شكل استثمارات تصب في مصلحة الحكومة وتخدمها، مثل الشركات الكبرى التي تم خصخصتها أو في اقطاع البنوك أو حتى في قطاع العقارات.
وعلينا أن لا ننسى استخدامات الحكومة أموال الضمات لتنفيذ سياساتها الاقتصادية والاجتماعية مثل مساعدة قطاعي التعليم والصحة الخاصين، أو أثناء جائحة الكورونا.
.......
لا شك بأن هذه الأطراف الثلاثة تحرص على بقاء المركز المالي لمؤسسة الضمان قويا وقادرا على إقراض الحكومة وبقاء المزايا الخاصة بإدارة المؤسسة، والمساعدة في تنفيذ الخطط الاقتصادية التي يشرف عليها البنك الدولي.
لكن عندي شك كبير بأن هذه الأطراف الثلاثة معنية بتحقيق فلسفة وأهداف الضمان الأصلية لتحقيق حياة كريمة للأردنيين من خلال مؤسسة الضمان كآلية تحميهم أثناء تعطلهم عن العمل والكسب بسبب العمر أو العجز أو الوفاة أو البطالة أو المرض...الخ، وهذه هي وظيفة الضمان في كل أنحاء العالم. وقد بينت ذلك في كتبي ومقالاتي السابقة حول الضمان.
عند النظر للضمان من هذه الزاوية الاقتصادية والمالية، نستطيع فهم الآليات التي تسعى لها هذه الأطراف. فالمركز المالي للمؤسسة يعتمد على تضخيم الايرادات وتقليل النفقات.
تضخيم ايرادات الضمان
اتفقت هذه الأطراف على زيادة اشتراكات تأمين الشيخوخة مع كل تعديل لقانون الضمان من 13% مع تأسيس الضمان إلى 14.5% عام 2001 (مع رفع الرواتب التقاعدية بعد اشراك موظفي القطاع العام بالضمان). ثم إلى 17.5% عام 2014.
أضيف تأميني الأمومة والتعطل اللذان يحققان أرباح مرتفعة بسبب تصميمهما القائم على اشتراكات مرتفعة مقابل منافع منخفضة، وهو نفس حال تأمين إصابات العمل. وهذا ما يفسر رفض أو المماطلة في إضافة التأمين الصحي بسبب تكاليفه المرتفعة.
كما حاولت مساعدة المؤسسة على توسعة الشمول حتى وصلت للقطاع غير المنظم، حيث نجحت المؤسسة في هذا المجال إلى حد ما، ومساعدتها في نفس الوقت على منع تهرب أصحاب العمل من الشمول بالضمان.
لكنها فشلت بتحقيق الشرط الأساسي لزيادة عدد المشتركين ( وبالتالي ايرادات الضمان) وهذا الشرط هو تخفيض معدل البطالة الذي يوفر العمالة اللازمة لرفد المؤسسة بمشتركين جدد، إذ تجاوزت البطالة في الأردن مستويات قياسية مع السياسات المطبقة مع توجيهات البنك الدولي.
أما عوائد استثمارات صندوق استثمار أموال الضمان، فقد كانت عوائد منخفضة حتى وقت قريب، مع عجزه عن زيادة اقراض الحكومة، لكن الصندوق حقق ما يشبه المعجزة بزيادة موجوداته باكثر من 50 % خلال السنوات الأخيرة ، من 11 مليار في بداية عام 2021 إلى 17.5...ليار في منتصف ٢٠٢٥ ، حيث سمحت هذه الزيادة للحكومة باستقراض أكثر من اربع مليارات ليصل رصيد ديونها لما يقارب من 10 مليار دينار.
.......
من ناحية نفقات الضمان
مارست ممارسات متناقضة فهي من جهة زادت نفقات التقاعد مع اشتراك موظفي القطاع العام بنسبة 25% ومن الجيش بنسبة أكبر. لكنها شجعت وضع هذه العراقيل أمام عمال القطاع الخاص( مع عدم تأثير هذه العراقيل على موظفي القطاع القطاع العام أو الجيش).
عمال القطاع الخاص معرضون للاستغناء عن خدماتهم في أي مرحلة بسبب الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي يتأثر هؤلاء العمال بشكل خاص من أي قرار يتناول عمر التقاعد وسنوات الاشتراك، بعكس موظفي القطاع العام الذين يتمتعون باستقرار وظيفي، يمكنهم من الحصول على راتب تقاعد مبكر بسهولة أكبر.
تعتبر البطالة هي المعضلة الرئيسية التي تواجه أنظمة الضمان ناتجة عن عدم رغبة أو عدم قدرة صاحب العمل على الاستمرار بتشغيل العامل أو رعبته بتشغيل عامل اصغر سنا وأقل أجرة بسبب البطالة المتفشية بين الشباب، مما يعني انهاء اشتراك العاطلين عن العمل بمظلة الضمان، خصوصا في ظل عجز معظمهم عن الاستمرار بالاشتراك الاختياري بسبب كلفته المرتفعة.
لذلك يعتبرحل مشكلة البطالة والتي تعني زيادة الطلب على العمالة، وتؤدي تلقائيا لاشتراك المزيد من الأردنيين بالضمان، وهي المدخل الوحيد لحل مشكلة التقاعد المبكر
أدى انتشار البطالة التي تجاوزت الثلاثين بالمائة بين صفوف الشباب، لزيادة أعداد الحاصلين على تعويض الدفعة الواحدة، حيث منعتهم من جمع السنوات الكافية للحصول على راتب التقاعد وأجبرتهم للبحث عن تعويض الدفعة الواحدة في ظروف البطالة والفقر الذي يعيشون.
وصل عدد هؤلاء الذين لن يحصلوا على راتب تقاعدي لأكثر من ثلاثة أضعاف المستحقين لراتب تقاعدي، ويشكلون تاريخيا ثلاثة أرباع المشتركين بالضمان معظمهم من النساء والعمال الأجانب، ومن الذين يعانون من عجز.
تشكل هذه الفئة وتوسيعها الضمانة الرئيسية لتقوية المركز المالي للمؤسسة. لأن ما يحصلون عليه من تعويض ضئيل لا يتجاوز ربع ما حصل عليه الضمان من اشتراكات (واستثماره)، وهذا بالحقيقة خلل كبير يعاني منه الضمان الاجتماعي حيث يتكفل الفقراء بتمويل رواتب الأغنياء، كما بينت سابقا في أكثر من مقال.
ومن هنا يمكن تفسير رضا هذه الأطراف على وجود نسبة عالية من العمال الأجانب في الأردن، رغم مستويات البطالة المرتفعة بين الأردنيين، لأن معظم هؤلاء الأجانب يحصلون على تعويض دفعة واحدة وليس على راتب تقاعدي، كما يمكن تفسير موافقة هذه الأطراف، على تخفيض بالحد الأدنى للأجور الخاضعة للعمال الأجانب العاملين في شركات استثمارية أجنبية.
ومن هنا يمكن تفسير موافقة هذه الأطراف على منع شمول فئات من الشباب بتأمين الشيخوخة في تعديل قانون الضضمان لعام 2019، مما يقلل من فرص هؤلاء الشباب في الحصول على راتب تقاعدي (شيخوخة أو مبكر) واتجاههم نحو تعويض الدفعة الواحدة.
Post a Comment